وأمّا قوله تعالىٰ : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (١) ، وقوله : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (٢) الّذي يستدلّ بهما أهل السُنّة في المقام فلا يراد بهما الشورىٰ في الخلافة ، وإلاّ لكان علىٰ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يشاور أصحابه في اختيار الخليفة من بعده ، مع أنّه لم يفعل ذلك بالاتّفاق ، وإنّما كان يشاور أصحابه في ما يتعلّق بمصالح الحروب وغيرها ..
قال ابن كثير : كان صلىاللهعليهوسلم يشاورهم في الحروب ونحوها (٣).
وقال الفخر الرازي : قال الكلبي وكثير من العلماء : هذا الأمر ـ أي في ( وَشَاوِرْهُمْ ) ـ مخصوص بالمشاورة في الحروب (٤).
وقال القرطبي : وقد كان يشاور أصحابه في الآراء المتعلّقة بمصالح الحروب (٥).
٤ ـ إنّ اختيار الخلفاء بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتمّ بالشورىٰ بمعناها المعروف ; إذ أنّ اختيار أبي بكر حدث في سقيفة بني ساعدة ، وعامّة المهاجرين لم يكونوا حاضرين فيها ، ولهذا قال عمر : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقىٰ شرّها (٦). أي : تمّت بلا تدبّر ولا تروٍّ.
كما أنّ أهل السُنّة قد صحّحوا خلافة عمر مع أنّها لم تكن بمشورة
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ١٥٩.
(٢) سورة الشورىٰ : الآية ٣٨.
(٣) تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٢٩ ، ٤ / ١٢٧.
(٤) التفسير الكبير ٩ / ٦٧.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٣٧.
(٦) راجع : صحيح البخاري ٨ / ٢٦ كتاب المحاربين من أهل الردّة والكفر ، باب : رجم الحبلىٰ من الزنا إذا أُحصنت.