وقد استوقف هذا النصّ ابن أبي الحديد شارح النهج واستشكل علىٰ أُصول مذهبه الّتي يتبنّاها ويدافع عنها ، فقال : فإن قلت : إنّك شرحت هذا الكتاب علىٰ قواعد المعتزلة وأُصولهم ، فما قولك في هذا الكلام وهو صريح بأنّ الإمامة لا تصلح من قريش إلاّ في بني هاشم خاصة ، وليس ذلك بمذهب المعتزلة ، لا متقدّميهم ولا متأخّريهم ؟!
قلت : الموضع مشكل ولي فيه نظر ، وإن صحّ أنّ عليّاً قاله ، قلت : كما قال ; لأنّه ثبت عندي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّه مع الحقّ وأنّ الحقّ يدور معه حيثما دار.
ثمّ قال : ويمكن أن يتأوّل ويطبّق علىٰ مذهب المعتزلة فيحمل علىٰ أنّ المراد به : كمال الإمامة ، كما حمل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » (١).
إنّ الذهاب إلىٰ نفي الكمال يتمّ فيما لو دلّت قرينة من الداخل أو الخارج علىٰ عدم إرادة نفي الصحّة ، كما في الحديث الّذي أورده ابن أبي الحديد عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » ، فبعد أن دلّت القرائن الخارجية علىٰ صحّة مَن يصلّي في بيته وجاره المسجد ، ذهب الفقهاء إلىٰ أنّ المراد بالنفي في الحديث هو نفي الكمال لا نفي الصحّة ، أي لا صلاة كاملة الأجر والثواب لمَن جاره المسجد إلاّ في المسجد.
أمّا النصّ السابق الوارد عن الإمام عليهالسلام في نهج البلاغة فقد احتجّ
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ٨٨.