ولو لم يكن قادراً علىٰ المعاصي بل كان مجبوراً علىٰ الطاعات ، لكان ذلك منافياً للتكليف وعدم الإكراه في الدين ، والنبيّ أوّل مَن كُلّف ؛ فقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) (١) ، ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (٢) ، وقال تعالىٰ : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حتّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (٣).
ولأنّه لو لم يكن قادراً علىٰ المعصية ، لكان أدنىٰ مرتبة من صلحاء المؤمنين القادرين علىٰ المعاصي التاركين لها (٤).
فحال المعصوم مع الذنب كحال مَن يرىٰ حيواناً ميتاً ـ مثلاً ـ في الطرق فتأبى نفسه أن تقترب أو تأكل منه ; لاستبشاعها ذلك ونفورها عنه ، مع أنّه لو أراد الأكل وأجبر نفسه عليه لأكل منه ; لقدرته عليه (٥).
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير عند قوله تعالىٰ : ( أَطِيعُواْ اللهَ وأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنكُمْ ) (٦) : إنّه يجب القول بعصمة ولاة الأمر ; وذلك لمحلّ الجزم بطاعتهم ، كما هو مفاد الآية الكريمة ..
فإن قلنا بـ : عصمة أهل البيت عليهمالسلام ، وجبت طاعتهم مطلقاً دون غيرهم ، وإن قلنا بـ : عدم عصمتهم ، لزم التكليف بالمحال ; إذ أوجب الله
__________________
(١) سورة الزخرف : الآية ٨١.
(٢) سورة الأنعام : الآية ١٦٣.
(٣) سورة الحجر : الآية ٩٩.
(٤) انظر : حقّ اليقين في معرفة أُصول الدين ١ / ١٩١.
(٥) جئنا بهذا المثال هنا لتقريب المعنىٰ فقط لا للمناقشة في حرمة أكل الميتة أو جوازه اضطراراً.
(٦) سورة النساء : الآية ٥٩.