بمثل ما واجه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) ..
ثمّ قيل بعد ذلك أنّ عمر بن الخطّاب أحسّ بعظيم الذنب لِما بدر منه يوم صلح الحديبية. وروي عنه في هذه القضية أنّه قال : ما زلت أصوم وأتصدّق وأُصلّي وأعتق مخافة كلامي الّذي تكلّمت به (٢).
ولعلّ الّذي أصاب الدليمي هنا من تشكيك بعصمة الإمام عليهالسلام لقبوله التحكيم في واقعة صفين ، هو من سنخ ما أصاب الخليفة من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لقبوله صلح الحديبية ، والله أعلم !
ومع هذا فإنّ مَن رجع إلىٰ واقعة صفين واطّلع علىٰ حادثة التحكيم فيها تبيّن له عذر أمير المؤمنين عليهالسلام بقبولها.
وأنا هنا أرشد الدليمي إلىٰ نصّين مهمّين في نهج البلاغة يُغنيانِهِ عمّا سواهما في فهم حادثة التحكيم ; فليقرأ ما قاله عليهالسلام لأصحابه بعد ليلة الهرير في ج ١ ص ٢٣٣ ـ بتعليق الشيخ محمّد عبده ـ منه ، وما قاله عليهالسلام للخوارج وقد خرج إلىٰ معسكرهم وهم مقيمون علىٰ إنكار الحكومة في ج ١ ص ٢٣٥ ـ بتعليق الشيخ محمّد عبده ـ.
فسيجد ـ حتماً ـ في هذين النصّين ما يدلّ علىٰ عصمته ؛ فانظر إلىٰ قوله للخوارج : « وقد رأيتكم أعطيتموها (٣) ، والله لئن أبَيتُها ما وجبت علَيَّ فريضتها ، ولا حمّلني الله ذنبها ، والله إن جئتها إنّي للمحقُّ الّذي يُتّبع ، وإنّ الكتاب لمعي ، ما فارقته منذ صحبته ... ».
__________________
(١) راجع تمام الحادثة في : صحيح البخاري ، كتاب الشروط ، باب : الشروط في الجهاد ، وصحيح مسلم ، باب : صلح الحديبية.
(٢) انظر : السيرة الحلبية ـ للحلبي الشافعي ـ ٢ / ٧٠٦ باب : صلح الحديبية.
(٣) يريد عليهالسلام أنّ الخوارج هم الّذين أعطوا قضيّة التحكيم الصورة الّتي صارت عليها برأيهم.