والله سبحانه يقول : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ، وقال : ( تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) ، وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضاً وأنّه لا اختلاف فيه ; فقال سبحانه : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) ، وإنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنىٰ عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، ولا تُكشف الظلمات إلاّ به » (١) ..
فكيف تكون إذاً العودة الصحيحة إلىٰ كتاب الله الّتي نضمن بها النجاة من النار ، مع علمنا باختلافات العائدين هذه كلّها ؟!
وهل من ضابط معين نحلّ به الإشكال السابق في كيفية العودة إلىٰ كتاب الله العزيز ، الّذي لا تُكشف الظلمات إلاّ به ، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ؟!
فمن أجل حلّ هذا الإشكال الّذي أوقع الدليمي قارئه فيه ، أقول : إنّ الله عزّ وجلّ قد بيّن في كتابه الكريم أنّ للقرآن أهلاً سمّاهم في آيتين منه بـ : « أهل الذكر » ، وأمر المسلمين بالرجوع إليهم وسؤالهم عند عدم العلم ; قال تعالىٰ : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢).
وسمّاهم في آية أُخرىٰ منه بـ : « الراسخين في العلم » ، وهم الّذين يعلمون تأويل القرآن وتفسيره ; قال الله تعالىٰ : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٨٨.
(٢) سورة النحل : الآية ٤٣ ، سورة الأنبياء : الآية ٧.