كلام له عليهالسلام كلّم به طلحة والزبير ، اللّذين بايعاه بعد مقتل عثمان ، وجاءا يعاتبانه علىٰ ترك مشورتهما والاستعانة في الأُمور بهما (١).
ومن المعلوم أنّ الإمام عليهالسلام قد ردّ الناس عن مبايعته بعد مقتل عثمان في أوّل الأمر ; لشدّة الفتنة الّتي وقع المسلمون فيها بعد مقتله (٢) ، فقد كان عليهالسلام يقول للناس لمّا أرادوه علىٰ البيعة :
« دعوني والتمسوا غيري ; فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول (٣) ، وإنّ الآفاق قد أغامت (٤) ، والمحجّة قد تنكّرت (٥) ، واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغِ إلىٰ قول القائل ، وعتب العاتب ، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمَن وليّتموه أُموركم ، وأنا لكم وزيراً ، خير لكم منّي أميراً ... ».
قال الشيخ محمّد عبده في تعليقته : تنكرت : أي : تغيّرت علائمها فصارت مجهولة ، وذلك أنّ الأطماع كانت قد تنبّهت في كثير من الناس ، علىٰ عهد عثمان رضياللهعنه ، بما نالوا من تفضيلهم بالعطاء ، فلا يسهل عليهم
__________________
(١) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ١٨٣.
(٢) قال الإمام عليّ عليهالسلام لعثمان : « إنّي أُنشدك الله ! أن لا تكون إمام هذه الأُمّة المقتول ، فإنّه كان يقال : يقتل في هذه الأُمّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلىٰ يوم القيامة ويلبس أُمورها عليها ، ويبثّ الفتن فيها ، فلا يبصرون الحقّ من الباطل ، يموجون فيها موجاً ، ويمرجون فيها مرجاً ». انتهىٰ. نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٢ / ٦٩.
(٣) لا تصبر عليه ولا تطيق احتماله.
(٤) أغامت : غُطّيت بالغيم.
(٥) المحجّة : الطريق المستقيمة.