ولكن هذا لا يمنع من أن يعود الباغي إلىٰ رشده ويتوب إلىٰ الله ، ويختم حياته بالتوبة عمّا حصل منه بالتفريط في حقّ طاعة لله وإطاعة أوليائه (١).
ولنعد إلىٰ نهج البلاغة ونطالع أقوال الإمام عليهالسلام في واقع الّذين حاربوه في البصرة من أهل الجمل :
قال عليهالسلام عن رأسي الفتنة في الواقعة ، وهما طلحة والزبير : « والله ! ما أنكروا علَيَّ منكراً ، ولا جعلوا بيني وبينهم نَصفاً (٢) ، وإنّهم يطلبون حقّاً هم تركوه ، ودماً هم سفكوه ، فإن كنت شريكهم فيه ، فإنّ لهم نصيبهم منه ، وإن كانوا ولّوه دوني فما الطلبة إلاّ قبلهم ، وإنّ أوّل عدلهم للحكم علىٰ أنفسهم ..
إنّ معي لبصيرتي ، ما لبست ولا لبّس علَيَّ ، وإنّها للفئة الباغية فيها الحمأ والحمة (٣) ، والشبهة المغدفة (٤) ، وإنّ الأمر لواضح ، وقد زاح الباطلُ عن نصابهِ ، وانقطع لسانه عن شَغَبهِ » (٥).
__________________
(١) يراجع كتاب الاقتصاد ـ للشيخ الطوسي ـ : ٢٢٦ ; للوقوف بالتفصيل علىٰ أحكام البُغاة علىٰ أمير المؤمنين عليهالسلام عند الإمامية.
(٢) النَصف : الإنصاف.
(٣) قال الشيخ محمّد عبده ـ في تعليقته علىٰ النهج ٢ / ٢٠ ـ : المراد بالحمأ : مطلق القريب والنسيب ، وهنا كناية عن الزبير ، فإنّه من قرابة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وابن عمّته.
قالوا : وكان النبيّ أخبر عليّاً إنّه ستبغي عليه فئة فيها بعض أحمائه وإحدىٰ زوجاته ، والحمة كناية عنها ; وأصلها : الحيّة ، أو أُبرة اللاسعة من الهوام.
(٤) أغدفت المرأة قناعها : أرسلته علىٰ وجهها. وأغدف الليل : أرخىٰ سدوله ; يعني أنّ شبهة الطلب بدم عثمان ساترة للحقّ.
(٥) أُسد الغابة ٣ / ٦١ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ٣٥.