والسعادة والرئاسة الأولى التي للمدينة الفاضلة ومراتب رئاستها ، ثم من بعد ذلك الأفعال المحدودة التي إذا فعلت نيلت بها السعادة ، وأن لا يقتصر على أن تعلم هذه الأفعال دون أن تعمل بها ، ويؤخذ أهل المدينة بفعلها. ١
وعن كيفية الخلود في السعادة للأنفس الفاضلة بعد مفارقة الأبدان ، يقول الفارابي : فاذا مضت طائفة وبطلت أبدآنها وخلصت أنفسها وسعدت ، فخلفهم ناس آخرون بعدهم قاموا في المدينة مقامهم وفعلوا أفعالهم خلصت أيضاً أنفس هؤلاء. وإذا بطلت أبدانهم صاروا إلى مراتب أولئك الماضين من تلك الطائفة ، وجاوروهم على الجهة التي بها يكون تجاور ما ليس بأجسام ، واتصلت النفوس المتشابهة من أهل الطائفة الواحدة بعضها ببعض. وكلما كثرت الأنفس المتشابهة المفارقة واتصل بعضها ببعض ، كان التذاذ كل واحد منها أزيد. وكلما لحق بهم من بعدهم زاد التذاذ كل من لحق الآن لمصادفته الماضين ، وزادت لذات الماضين بإتصال اللاحقين بهم ، لأنّ كل واحدة تعقل ذاتها وتعقل مثل ذاتها مراراً كثيرة ، ويزيد ما يعقل منها بلحاق الغابرين بهم في مستقبل الزمان في كون تَزيدّ لذات كل واحد في غابر الزمان بلا نهاية. وتلك حال كل طائفة ، فهذه هي السعادة القصوى الحقيقية التي هي غرض العقل الفعال. ٢
والنفوس الفاسقة فقد عرّفها الفارابي بقوله : وأما المدن الفاسقة فهي التي اعتقد أهلها المباديء وتصوروها وتخيلوا السعادة واعتقدوها ، وأرشدوا إلى الأفعال التي ينالون بها السعادة وعرفوها واعتقدوها. غير أنهم لم يتمسكوا بشيء من تلك الأفعال ، ولكن مالوا بهواهم وإرادتهم نحو شيء ما من أغراض أهل الجاهلية. وإنما يباينون أهل الجاهلية بالآراء التي يعتقدونها فقط. ٣
________________
١. راجع : الفارابي ، السياسة المدنية ، ص ٨٤ ، ٨٥.
٢. السياسة المدنية ، ص ٨٢ ؛ راجع : الفارابي ، آراء اهل المدينة الفاضلة ، ص ٦٤ ، ٦٥.
٣. المصدر السابق ، ص ١٠٣ ، ١٠٤.