خَالِدُونَ ) أي دائمون ، قال الآلوسي : المراد بالخلود الدوام ، وقال أيضاً : ومن الناس من نقاها بحمل الخلود على أصل الوضع ، وهو اللبث الطويل ـ وليس بشيء ـ لأن فيه تهوين الخطب في مقام التهويل مع عدم ملائمته حمل الخلود في الجنة على الدوام. ١ لأن هذه الآية قوبلت بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) فلمقابلة الخلود في جهنم مع الخلود في الجنة في هذه الآية يلزم أن يكون معنى الخلود في النار الدوام لكون المقصود من الخلود في الجنة في الآية هو الدوام كما قال تعالى في سورة هود : ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ).
وذكر البيضاوي ( المتوفى ٧٩١ ه ) وصدر الدين الشيرازي ٢ ( المتوفى ١٠٥٠ ه ) دليلاً عقلياً على كون المقصود من الخلود في الجنة هو الدوام الذي لا ينقطع ، قال البيضاوي : واعلم أنه لمّا كان معظم اللذات الحسية مقصورة على المساكن والمطاعم والمناكح ، على مادل عليه الاستقراء ، كان ملاك ذلك كله الدوام والثبات ، فإن كل نعمة جليلة إذا قارنها خوف الزوال كانت منغصة غير صافية من شوائب الألم بشّر المؤمنين بها ، ومثل ما أعد لهم في الآخرة بأبهى ما يستلذ به منها وأزال عنهم خوف الفوات بوعد الخلود ليدل على كمالهم في التنعيم والسرور. ٣
والعلامة الطباطبائي في تفسيره للآية ٢٧ من سورة يونس الذي يقابل فيها الخلود في النار والخلود في الجنة ، قال : قوله : ( أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يدلّ على دوام بقائهم في النار لدلالة الصحابة والخلود عليه ، كما أن نظيره في أصحاب الجنة يدلّ على نظيره. ٤
________________
١. محمود الآلوسي ، روح المعاني ، ج ١ ، ص ٣٠٦.
٢. راجع : صدر الدين الشيرازي ، تفسير القرآن الكريم ، ج ٣ ، ص ٢٣٤.
٣. أبو عمر بن محمد البيضاوي ، تفسير البيضاوي ، ج ١ ، ص ٢٥٣.
٤. تفسير الميزان ، ج ١٠ ، ص ٤٤.