في الآخرة للشفاعة ، فإنّ خروج البعض كافٍّ في انتقاض العموم وصحة الاستثناء.
والكلام في الآية التالية : ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ ) الخ نظير الكلام في هذه الآية ، لاشتراكهما في السياق ، غير أن الاستثناء في آية الجنة يعقبه قوله تعالى : ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ولازمه أن لا يكون الاستثناء مشيراً إلى تحقق الوقوع ، فإنه لا يلائم كون الجنة عطاءً غير مقطوع ، بل هو مشير إلى إمكان الوقوع ، والمعنى أن أهل الجنة خالدون فيها أبداً إلّا أن يخرجهم الله منها ، لكن العطية دائمية ، وهم غير خارجين منها ، والله غير شاء ذلك أبداً ، فيكون الاستثناء مسوقاً لاثبات القدرة المطلقة ، وأن قدرة الله سبحانه لاتنقطع عنهم بإدخالهم الجنة الخالدة ، فله تعالى أن يخرجهم من الجنة وإن وعد لهم البقاء فيها دائماً ، لكنه تعالى لا يخرجهم لمكان وعده ، والله لا يخلف الميعاد.
والكلام في الاستثناء الواقع في هذه الآية ـ أعني آية النار ـ نظيره في آية الجنة ، لوحدة السياق بالمقابلة والمحاذاة ، وإن اختتمت الآية بقوله : ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) وفيه من الاشارة إلى التحقق مالا يخفى. ١
ومما يؤيد هذا الوجه روايةً ما نقله صاحب تفسير البرهان بقوله : عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) قال : « في ذكر أهل النار استثناء ، وليس في ذكر أهل الجنة استثناء ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ». ٢
ويعلق العلامة الطباطبائي على هذه الرواية بأنه عليهالسلام يشير فيها الى أن الاستثناء بالمشيئة في أهل الجنة لما عقبه الله بقوله : ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) لم يكن استثناءً دالاً على إخراج بعض أهل الجنة منها ، وأنما يدل على إطلاق
________________
١. راجع : تفسير الميزان ، ج ١١ ، ص ٢٨ ، ٢٩.
٢. البرهان في تفسير القرآن ، ج ٣.