القدرة ، بخلاف الاستثناء في أهل النار فإنه معقب بقوله : ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ) المشعر بوقوع الفعل.
وأصحّ الوجهين هو الوجه السابع الذي ذهب اليه العلّامة الطباطبائي وآخرون ، ويؤيده ما ذكره الفراء في تفسيره لقوله تعالى : ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) ، قال : لم يشأ أن ينسى شيئاً ، وهو كقوله : ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) ولا يشاء. وأنت قائل في الكلام : لأعطينك كل ما سألت إلا ماشئت ، وإلا أن أشاء أن أمنعك. والنية ألا تمنعه ، وعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف التمام. ٢
ويمكن الاستدلال على فساد الوجه الخامس من قوله : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) فالآية ناظرة إلى عاقبة الانسان يوم القيامة ، فهو إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، أي إما من المخلدين في النار ، أو من المخلدين في الجنة ، وعلى هذا يكون المقصود من الأشقياء في الآية هم الكفار ، فلا يشمل فساق الموحدين حتى نقول إن الاستثناء لإخراج المذنبين من الموحدين ، وعلى هذا فلابد من تفسير الآية بكونها لإثبات المشيئة الإلهية وليست استثناءاً من الخلود.
ومما يؤكد ويؤيد ما قلناه هو ما يتقدمها وما يتعقبها من الآيات القرآنية ، فالآيات القرآنية التي تقدمت على آية الخلود تحكي عن قصص الأمم الغابرة وعن شركهم واستكبارهم عن قبول الحق ، والذي ساقهم إلى عذاب الاستئصال ، وكذلك ما يتعقبها من الآيات ، وهو قوله تعالى : ( فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ) وهذه الآية تفريع على آية الخلود وما سبقها من تفصيل لقصص
________________
١. راجع : تفسير الميزان ، ج ١١ ، ص ٤١.
٢. راجع : أبي زكريا بن زياد الفراء ، معاني القرآن ، ج ٣ ، ص ٢٥٦.