وعلى ضوء ماتقدم ثمة سؤال يطرح نفسه ومفاده : ماذا يكون مصير الذين لم يؤمنوا بالله ، ولكنهم لم يكونوا بمكذبين ولا بمستكبرين ؟ فهل نقول إنّهم مخلدون في النار كما يخلد فيها أمثال هؤلاء المستكبرين والمكذبين والمستهزئين بآيات الله ، فهذا مالا يقبله إنسان عاقل فضلاً عن أن يكون مقبولاً عند الله عزوجل لأنّه بمثابة الظلم ، والظلم قبيح ، والله عزّوجلّ منزه عنه.
ولهذا نرى أن القرآن الكريم يحلّ هذه المشكلة باطلاقه على هؤلاء مصطلح المستضعفين والمرجين لأمر الله ، وبالنسبة الى المستضعفين فقد قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ). ١ فالقرآن الكريم في هذه الآية يبيّن لنا معنى الاستضعاف ، ويعين لنا من هم المستضعفون ، والعلامة الطباطبائي يعقب على هذه الآية بقوله : إن الله سبحانه يعدّ الجهل بالدين وكلّ ممنوعية عن إقامة شعائر الدين ظلماً لايناله العفو الالهي ، ثم يستثني من ذلك المستضعفين ويقبل منهم معذرتهم بالاستضعاف ، ثم يعرفهم بما يعمّهم وغيرهم من الوصف ، وهو عدم تمكنهم مما يدفعون به المحذور عن أنفسهم ، وهذا المعنى كما يتحقق فيمن أحيط به في أرض لا سبيل فيها إلى تلقي معارف الدين لعدم وجود عالم بها خبير بتفاصيلها ، أو لاسبيل إلى العمل بمقتضى تلك المعارف للتشديد فيه بما لايطاق من العذاب مع عدم الاستطاعة من الخروج والهجرة إلى دار الاسلام والالتحاق بالمسلمين لضعف في الفكر أو لمرض أو نقص في البدن أو لفقر
________________
١. النساء ، ٩٧ ـ ٩٩.