وذكر الطبري وابن الأثير وصاحب مقاتل الطالبيّين أنّ جون ماهر في صنع السلاح وكانت بصيرته تامّة به ، وله قدرة على ترميمه لذلك لم يكن ليلة عاشوراء مع الحسين في الخيمة سواه (يعالج سيفه ويصلحه) (١).
روى الشيخ المفيد في الإرشاد عن الإمام زين العابدين عليهالسلام أنّه قال : إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها ، وعندي عمّتي زينب تمرّضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه ، وأبي يقول :
يا دهر أُفّ لك من خليل |
|
كم لك بالإشراق والأصيل |
من صاحب أو طالب قتيل |
|
والدهر لا يقنع بالبديل |
وإنّما الأمر إلى الجليل |
|
وكلّ حيّ سالك سبيلي |
فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتّى فهمتها وعرفت ما أراد ، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أنّ البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت وهي امرأه ، ومن شأن النساء الرقّة والجزع ، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه ، فقالت : واثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن .. الخ (٢).
وقال السيّد في اللهوف : ثمّ برز جون مولى أبي ذر وكان عبداً أسود ، فقال له الحسين عليهالسلام : أنت في إذن منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتل بطريقنا (فوقع جون على قدمي أبي عبدالله يقبّلهما ويقول :) يابن رسول الله ، أنا في الرخاء
__________________
(١) ليس في الكتب المذكورة إلّا الجملة التي وضعناها بين قوسين ، فراجعها.
(٢) الإرشاد ، ج ٢ ص ٩٣. والعجب من الشيخ المفيد كيف يزعم أنّها وثبت حاسرة ومعنى حسر يعني كشف (راجع الصحاح) وهل يرضى المسلم أن تخرج خفرة الوحي أمام ناظر أخيها حاسرة أي مكشوفة الوجه والرأس ، وهذه من هفوات العلماء التي ينبغي إعادة النظر فيها.