قال هشام : حدّثني لقيط عن عليّ بن الطعان المحاربي : كنت مع الحرّ بن يزيد فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش ، قال : أنخ الراوية ـ والراوية عندي السقاء ـ ثمّ قال : ابن أخي ، أنخ الجمل ، فأنخته ، فقال : اشرب ، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين : اخنث السقاء أي اعطفه ، قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل ، قال : فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي.
قال : فلم يزل (الحر) موافقاً حسيناً حتّى حضرت الصلاة صلاة الظهر ، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي أن يؤذّن فاذّن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليَّ رسلكم أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم.
قال : فسكتوا عنه وقالوا للمؤذّن : أقم الصلاة (١) ، فقال الحسين عليهالسلام للحر : أتريد أن تصلّي بأصحابك ؟ قال : لا بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. قال : فصلّى بهم الحسين ثمّ إنّه دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له ، فاجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد أصحابه إلى صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها ،
__________________
(١) جعل المؤلّف الأصل العربي في الهامش والترجمة في المتن وكان عليَّ أن المترجم أن أعكس المسألة.