فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيّؤوا للرحيل ثمّ إنّه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وقام فاستقدم الحسين فصلّى بالقوم ثمّ سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال عليهالسلام :
أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكم انصرفت عنكم (١).
فقال له الحرّ بن يزيد : إنّا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.
فقال الحسين عليهالسلام : يا عقبة بن سمعان ، أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ ، فأخرج خرجين مملوئين صحفاً فنشرها بين أيديهم.
فقال الحرّ : إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك على عبيدالله بن زياد.
فقال الحسين عليهالسلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاركبوا ، وانتظروا حتّى ركبت نسائهم وصبيانهم (٢) فقال لأصحابه : انصرفوا بنا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليهالسلام للحرّ : ثكلتك أُمّك ،
__________________
(١) رجعت إلى كتاب تاريخ الطبري في هذا الفصل وأنا أعترف أنّ المؤلّف أضاف إلى الرواية جملاً من عنده حين الترجمة كما يقتضي ذلك النقل من لغة أُخرى. والمؤلّف فصيح اللسانين فهو بالفارسيّة والعربيّة لا يشقّ لها غبار في الفصاحة والبلاغة وكان يلقي على النصّ المترجم ديباجة مشرقة بما أُوتي من إشراقة البيان ، ورأيت لا سبيل إلى متابعته ولا بدّ من الاقتصار على النصّ العربي من مصدره واعتاد المؤلّف على جعله في الهامش وكان عليَّ أن أردّه إلى متن الكتاب وأكتفي به عن ترجمة النصّ الفارسي الذي أخذه المؤلّف من النصّ العربي وإن كان ذلك يحرم القارئ من حلاوة كلام المؤلّف. (المترجم)
(٢) زيادة من المؤلّف.