ما تريد ؟! قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أُمّه بالثكل أن أقوله كائناً من كان ولكن والله ما لي إلى ذكر أُمّك من سبيل إلّا بأحسن ما يقدر عليه.
فقال الحسين عليهالسلام : فما تريد ؟ قال الحر : أُريد والله أن انطلق بك إلى عبيدالله بن زياد. فقال الحسين عليهالسلام : إذن والله لا أتّبعك. فقال له الحر : إذن والله لا أدعك ، فترادّا القول ثلاث مرّات ، ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحر : إنّي لم أُؤمر بقتالك وإنّما أُمرت أن لا أُفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زياد (وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيدالله بن زياد إن شئت) (١) فلعلّ الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أُبتلى بشيء من أمرك.
قال : فخذ هاهنا ، فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً .. (٢) ولم يكن على يسار الطريق سوى القفر والهضاب الجرداء ، فقال الحسين عليهالسلام : من منكم يعرف الطريق ؟ فقال رجل يُدعى الطرمّاح : يابن رسول الله ، أنا أعرف الناس بطرق هذه الأرض وسالك فجاجها ، فقال : تقدّم أمامنا ودُلّنا على الطريق ، فسار الإمام بأصحابه وتقدّم الطرمّاح بين يديه وأخذ ينشد : « يا ناقتي لا تجزعي من زجري » الخ ، وستأتي في ترجمته.
فلمّا سمع الحرّ الأُرجوزة وفيها سبّ ابن زياد ويزيد تنحّى عن الحسين وابتعد
__________________
(١) هذه الجملة ليست عند المؤلّف وإنّما أعرض عنها فلسخافتها. (المترجم)
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ٣٠٤.