بالسهام ، فأقبل الرماة يرشون السهام عليه حتّى صار درعه كالقنفذ ، عند ذلك يأس الحرّ من نفسه ومن نصرة ابن بنت نبيّه فتنفّس الصعداء وقال :
أضرب في أعراضكم بالسيف |
|
ضرب غلام لم يخف من حيف |
أنصر من حلّ بأرض الخيف |
|
نسل عليّ الطهر مقري الضيف |
وما زال يقاتل حتّى أثخنوه بالجراح فخرّ على الأرض صريعاً فحمل أصحاب الحسين عليهالسلام واستنقذوا جسده الشريف من بين سنابك الخيل ، وأقبلوا به حتّى وضعوه بين يدي الحسين ، فمسح الإمام عليهالسلام الدم والتراب عن وجهه وهو يقول : بخ بخ ما أخطأت أُمّك حين سمّتك حرّاً ، والله أنت حرّ في الدنيا والآخرة ، ثمّ استغفر له رضي الله عنه ، وبكى عليه ، ويقال رثاه الإمام بهذه الأبيات ومن قائل أنّها لعليّ بن الحسين :
لنعم الحرّ حرّ بني رياح |
|
صبور عند مشتبك الرماح |
ونعم الحرّ إذ نادى حسيناً |
|
فجاد بنفسه عند الصياح |
ونعم الحرّ في رهج المنايا |
|
إذا الأبطال تخطر بالصفاح |
ونعم الحرّ إذ واسى حسيناً |
|
وفازوا بالهداية والفلاح |
فيا ربّ أضفه في جنان |
|
وزوّجه مع الحور الملاح |
ويقول العالم العامل عماد الدين الحسن بن عليّ الطبري المعاصر للعلّامة الحلّي والخواجة نصير الدين الطوسي في كتابه «كامل البهائي» (١) : إنّ الحرّ بن يزيد دفنه قومه في المكان الذي استشهد فيه ، وأقول : قرأت آنفاً أنّ جثّته حملها الأصحاب ووضعوها بين يدي الإمام عليهالسلام وقبره الآن يبعد عن كربلاء بمقدار فرسخ واحد ، إلّا أنّ نقول إنّ قومه حملوا جثّته ودفنوه بأزاء خيامهم حيث قبره
__________________
(١) منّ الله عليَّ فترجمته إلى العربيّة مع التحقيق ترجمة جيّدة وسوف ينشر قريباً إن شاء الله.