أخي آثر دينه على دنياه وأنت آثرت دنياك على دينك فأنت خير لي من أخي ، وأخي خير لنفسه منك (١). ثمّ صاح عقيل بأعلى صوته : يا أهل الشام ، إنّي رأيت أخي وضع دينه أمام دنياه وخاف من الله ولم يخش لومة لائم ، ورأيت معاوية وضع دنياه أمام دينه وراح يعدو ورائه ، وركب مركب الضلالة واتّبع هواه ، لذلك أعطاني هذا النزر اليسير الذي لم يعرق بجمعه جبينه ، ولم تجهد به يمينه ، ولكن الله أجراه على يديه وعليه حسابه غداً وليس عليَّ ، فلن أشكره ولن أحمده ، ثمّ أقبل على معاوية وقال : يابن هند ، إنّك تعطي الإحسان ولكنّك تكدّره بالمنّ والقول القبيح ، فاصبر لعلّ الذي تخشاه يخترمك مفاجئة من حيث لا تشعر.
فغضب معاوية من هذا القول الذي هو أشدّ عليه من لدغ الأفاعي فطأطأ برأسه إلى الأرض ثمّ رفعه وقال : وماذا أصنع ؟ ومتى أُرضي بني هاشم بإعطائهم حقّهم ؟! ثمّ أنشد :
أزيدهم الإكرام لي يشعبوا العصا |
|
فيأبي لدى الإكرام ألّا يكرّموا |
وها أنا ذا أعطفتهم رقّة بهم |
|
نأوا حسداً عنّي فكانوا هم هم |
وأعطيتهم صفو الحياة كأنّني |
|
معاً وعطاياي المباحة علقم |
وأغضي عن الذنب الذي لا يقيله |
|
من القوم إلّا الهزبريّ المعقم |
حبّاً واصطباراً وانعطافاً ورقّة |
|
وأكظم غيظ القلب إذ ليس يكظم |
وخلاصة الحديث إنّ معاوية شرع بهذه الأبيات بتقريع بني هاشم وتبكيتهم ، فيقول : أزيد بني هاشم عطاءاً ويأبون الإكرام ، وأعطف عليهم ويبعدوني عنهم
__________________
(١) العقد الفريد ، كتاب المجنبة في الأجوبة ، وحدث تقديم وتأخير في النقل من المترجم ، وعلّق المؤلّف على جواب عقيل فقال في الهامش : وفي العبارة ثلب آخر لمعاوية ومعنى قول عقيل عنه وعن الإمام ، إنّ الإمام يعطي الحقوق طبقاً لنظر الشرع فالقريب والبعيد عنده سواء ولكنّك تعطيها طبقاً لهوى نفسك.