بالحسد وهم هم ، وأنا أبرّهم صفاءاً ومودّة وإخاءاً وأرحمهم وأجزل عطائهم وكأنّني أسقيهم السمّ الناقع ، وأغضي عن هناتهم وعوارتهم وأصب وأحلم عنهم وأكظم غيظي في مواضع ينكر الحلم فيها الحليم.
ثمّ أقبل على عقيل وقال : يابن أبي طالب ، أُقسم بالله لولا أنّ الناس يرمونني بالعجلة ويقولون ضاق ذرعاً به واكتوى قلبه بلسانه وعجز عن جوابه لتركت رأسك أخف بأيدي الرجال من حبّ الحنظل ، أي إنّي أقتلك حتّى يتهادى الرجال رأسك.
فلمّا سمع عقيل شعره أخذ ينشده بجرأة وعدم مبالاة ، فقال :
عذيرك منهم من يلوم عليهم |
|
ومن هو منهم في المقالة أظلم |
لعمرك ما أعطيتهم منك رأفة |
|
ولكن لأسباب وحولك علقم |
أبي لهم أن ينزل الذلّ دارهم |
|
بنو حرّة زهر وعقل مسلم |
وإنّهم لم يقبلوا الذلّ عنوة |
|
إذا ما طغى الجبار كانوا هم هم |
فدونك ما أسديت فاشدد يداً به |
|
وخيرك المبسوط والشرّ فالزموا |
قال هذا ورماه ببدرة المال وخرج من المجلس. فاغتمّ معاوية من فعله وقوله وندم على ما قال ، فكتب إليه كتاباً سجحاً سمحاً ويدعوه للعودة إليه ، لأنّه رأى فتله قد انكث وغرضه قد انتقض لأنّه أراد أن يوهم الناس بأنّ عقيلاً معهم ومنتسب إلى حزبهم.
ثمّ كتب معاوية إلى عقيل :
أمّا بعد ، يابن عبدالمطّلب ، أُقسم بالله إنّكم فرع من
قصى ولبّ لباب عبد مناف والمصطفون من نسل هاشم ، عقلكم راسخ ، استوت عليكم خلع الكمال والفضيلة ، وبكم ازدانا ، وثمّ ما زلتم أصحاب الأمر والنهي ، لكم أخلصت القبائل وأحبّتكم ، ولكم العفو والصفا ، وأنتم أهل الوفاء وقرن فضلكم بشرف النبوّة