وأخرج الطبري في تاريخه (١) (٥ / ٢٢) بالإسناد عن حسّان الكوفي قال : لمّا ولي عمر قيل : يا خليفة خليفة رسول الله ، فقال عمر رضى الله عنه : هذا أمر يطول ، كلّ ما جاء خليفة قالوا : يا خليفة خليفة خليفة رسول الله ، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فسمّي أمير المؤمنين.
وقال ابن خلدون في مقدّمة تاريخه (٢) (ص ٢٢٧) : اتّفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضى الله عنه : يا أمير المؤمنين فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به ، يقال : إنّ أوّل من دعا بذلك عبد الله بن جحش ، وقيل : عمرو بن العاصي ، والمغيرة بن شعبة ، وقيل : بريد جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدينة وهو يسأل عن عمر ويقول : أين أمير المؤمنين؟ وسمعها أصحابه فاستحسنوه وقالوا : أصبت والله اسمه ، إنّه والله أمير المؤمنين حقّا ، فدعوه بذلك وذهب لقباً له في الناس ، وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا يشاركهم فيها أحد سواهم إلاّ سائر دولة بني أُميّة. انتهى.
فصريح هذه النقول أنّ عمر نفسه ما كانت له سابقة علم بهذا اللقب لا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا عن غيره ، ولذلك استغربه وقال : ربّي يعلم لتخرجنّ ممّا قلت. ولا كان عمرو بن العاصي يعلم ذلك ولذلك نسب الإصابة بالتسمية إلى الرجلين ونحت لها من عنده ما يبرّرها. ولا كانت عند الرجلين ـ اللذين صحّ كما مرّ أنّهما هما اللذان سمّياه ـ أثارة من علم بما جاء به ابن كثير وإنّما هو شيء جرى على لسانهما ، ثمّ أعطف نظرةً ثانية على كلمة ابن خلدون المقرّرة للخلاف في أوّل من سمّاه بأمير المؤمنين ولم يذكر فيه قولاً بأنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الذي سمّاه ، وصريح رواية الطبري أنّ عمر هو الذي رأى هذه التسمية.
نعم ؛ إنّ الذي سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين هو مولانا عليّ عليهالسلام. أخرج
__________________
(١) تاريخ الأمم والملوك : ٤ / ٢٠٨.
(٢) مقدّمة ابن خلدون : ١ / ٢٨٣ فصل ٣٢.