ومن طريق آخر عن الأسود التميمي قال : قدمت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فجعلت أنشده فدخل رجل أقنى (١) فقال لي : أمسك. فلمّا خرج قال : هات. فجعلت أنشده فلم ألبث أن عاد فقال لي : أمسك. فلمّا خرج قال : هات. فقلت : من هذا يا نبيّ الله الذي إذا دخل قلت : أمسك ، وإذا خرج قلت : هات؟ قال : هذا عمر بن الخطّاب ، وليس من الباطل في شيء.
ومن طريق آخر عن الأسود قال : كنت أنشده صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا أعرف أصحابه حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع ، فقيل : اسكت اسكت : قلت : وا ثكلاه ، من هذا الذي أسكت له عند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ فقيل : عمر بن الخطّاب ، فعرفت والله بعد أنّه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلّمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع.
قال الأميني : هل علمت رواة السوء بالذي تلوكه بين أشداقها؟ أم درت فتعمّدت؟ أم أنّ حبّ عمر والمغالاة في فضائله أعمياهم عن تبعات هذه القول الشائن (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢).
يقول القائل : إنّ ما أراد إنشاده محامد ومدح لله ولرسوله فيجيزه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول : إنّ ربّك عزّ وجلّ يحبّ الحمد. فأيّ باطل في هذا حتى يبغضه عمر؟ ولو كان باطلاً لمنعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل عمر ، وأيّ نبيّ هذا يتّقي رجلاً من أمّته ولا يتّقي الله؟ وكيف خشي الرجل أن يسحبه عمر برجله إلى البقيع ولم يخش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يفعل به ذلك أو يأمر فيُفعل به؟ أو أنّ عمر ما كان يميّز بين الحقّ والباطل فيحسب أنّ كل ما ينشد من الباطل ، فيجاريه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على مزعمته؟ فهل علم الراوي أو المؤلّف بهذه المفاسد ، أو لا؟
فإنّ كان لا يدري فتلك مصيبةٌ |
|
وإن كان يدري فالمصيبةُ أعظمُ |
__________________
(١) قنى الأنف وأقنى : ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه. (المؤلف)
(٢) الحج : ٤٦.