قال الأميني : إنّ ملاك حكم الشريعة هو المقرّر من قبل الدين لا الاعتبارات المنحوتة ، والإمام والسوقة شرع سواء في شمول الأحكام ، بل هو أولى بالاتّباع لنواميس الدين حتى يكون قدوة للناس وتكون به أُسوتهم ، وهو وإن سرت ولايته وعمله مع مسير نفوذه في البلاد أو في العالم كلّه إلاّ أنّ التكليف الشرعيّ غير منوط بهذا السير ، بل هو مرتبط بتحقّق الموازين الشرعيّة ، فإن أقام في محلّ جاءه حكم الإقامة ، وإن لم ينوِ الإقامة فهو على حكم السفر ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إمام الخلائق على الإطلاق ، ومع ذلك كان يقصّر صلاته في أسفاره ، ولا يعزى إليه أنّه ربّع بمكة أو في منى أو بعرفة أو بغيرها ، وإنّما اتّبع ما استنّه للأمّة جمعاء وبهذا ردّه ابن القيّم في زاد المعاد ، وابن حجر في فتح الباري (١) (٢ / ٤٥٦)
أضف إليه هتاف النبيّ الأعظم وأبي بكر وعمر بن الخطّاب بما مرّ (ص ١٠٧) من قولهم : أتمّوا صلاتكم يا أهل مكة فإنّا قوم سفر. فإنّه يعرب عن أنّ حكم القصر والإتمام يعمّ الصادع الكريم ومن شغل منصّة الخلافة بعده.
على أنّه لو كان تربيع الرجل من هذه الناحية لوجب عليه أن يهتف بين الناس بأنّ ذلك لمقام الإمامة فحسب ، وأمّا من ليس له ذلك المقام فحكمه التقصير ، وإلاّ لكان إغراءً بالجهل بعمله ، وإبطالاً لصلاتهم بترك البيان ، فإذ لم يهتف بذلك ولم يعلّل عمله به جواباً لمنتقديه علمنا أنّه لم يرد ذلك ، وأنّ من تابعه من الصحابة لم يعلّلوا عمله بهذا التعليل ، وإنّما تابعوه دفعاً لشرّ الخلاف كما مرّ في صفحة (٩٩ ، ١٠٢) وهذا ينبئ عن عدم صحّة عمله عندهم.
ويشبه هذا التشبّث في السقوط ما نحتوه لأمّ المؤمنين عائشة في تربيعها الصلاة في السفر بأنّها كانت أمّ المؤمنين ، فحيث نزلت فكان وطنها كما ذكره ابن القيّم في زاد
__________________
(١) فتح الباري : ٢ / ٥٧٠.