٣ ـ إنّه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى واتّخاذها دار الخلافة ، فلهذا أَتمّ ثمّ بدا له أن يرجع إلى المدينة. انتهى.
كأنّ هذا المتأوّل استشفّ عالم الغيب من وراء ستر رقيق ولا يعلم الغيب إلاّ الله ، إنّ مثل هذه العزيمة وفسخها ممّا لا يُعلم إلاّ من قبل صاحبها ، أو من يخبره بها هو ، وقد علمت أنّ الخليفة لمّا ضويق بالنقد لم يعدّ ذلك من معاذيره ، وإلاّ لكانت له فيه منتدح ، وكان خيراً له من تحشيد التافهات ، لكن كشف ذلك لصاحب المزعمة بعد لأي من عمر الدهر فحيّا الله الكشف والشهود.
وكان من المستصعب جدّا والبعيد غايته تغيير العاصمة الإسلاميّة والتعريجة على التعرّب بعد الهجرة من دون استشارة أحد من أكابر الصحابة ، وإلغاء مقدّمات تستوعب برهة طويلة من الزمن كأبسط أمر ينعقد بمحض النيّة ويفسخ بمثلها.
وقال ابن حجر في الفتح (١) (٢ / ٤٥٧) ، والشوكاني في نيل الأوطار (٢) (٣ / ٢٦٠) : روى عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن عثمان : إنّما أتمّ الصلاة لأنّه نوى الإقامة بعد الحجّ وأُجيب بأنّه مرسل ، وفيه أيضاً نظر لأنّ الإقامة بمكة على المهاجرين حرام ، وقد صحّ عن عثمان أنّه كان لا يودّع البيت إلاّ على ظهر راحلته ، ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته ، وثبت أنّه قال له المغيرة لمّا حاصروه : اركب رواحلك إلى مكّة. فقال : لن أُفارق دار هجرتي. انتهى.
ولابن القيّم في زاد المعاد (٣) (٢ / ٢٥) وجه آخر في دحض هذه الشبهة. فراجع.
٤ ـ إنّه كان إماماً للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحلّ ولايته ، فكأنّه وطنه.
__________________
(١) فتح الباري : ٢ / ٥٧١.
(٢) نيل الأوطار : ٣ / ٢٤١.
(٣) زاد المعاد : ١ / ١٢٩.