التقصير في الصلاة ، وليس لمكة حكم خاصّ يُعدل به عمّا سنّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمراد من الإقامة فيما تشبّث به ناحت المعذرة هو المكث للمهاجر بمكة لما لهم بها من سوابق وعلائق وقرابات ، لا الإقامة الشرعيّة التي هي موضوع حكم الإتمام ، وقد أقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة عشراً كما في الصحيحين (١) أو أكثر منها كما في غيره (٢) ولم يزد على التقصير في الصلاة ، فقصر المكث بمكة ثلاثاً على المهاجر دون غيره من الوافدين إلى مكة ، وعلى مكة دون غيرها كما هو صريح تلكم الألفاظ المذكورة يُعرب عن إرادة المعنى المذكور ، ولا يسع لفقيه أن يرى الإقامة ثلاثاً بمكة خاصّة من قواطع السفر للمهاجر فحسب ، وقد أعرض عن استيطانها بالهجرة ، ولم يتمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجّة الوداع بمكة وقد أقام بها أكثر من ثلاثة أيام بلغ عشراً أو لم يبلغ أو زاد عليها.
على أنّ الشافعي ومالكاً وأصحابهما وآخرين احتجّوا بالألفاظ المذكورة على استثناء مكث المهاجر بمكة ثلاثاً من الإقامة المكروهة لهم بها ، قالوا : كره رسول الله للمهاجرين الإقامة بمكة التي كانت أوطانهم فأخرجوا عنها ، ثمّ أباح لهم المقام بها ثلاثاً بعد تمام النسك. وقال ابن حزم : إنّ المسافر مباح له أن يقيم ثلاثاً وأكثر من ثلاث لا كراهية في شيء من ذلك ، وأمّا المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث (٣) ، فأين هذا الحكم الخاصّ بمكة للمهاجر فحسب من الإقامة القاطعة للسفر؟
ثمّ لو كان هذا عذر الرجل لكان عليه أن يتمّ بمكة لا بمنى وعرفة وقد أتمّ بهما.
__________________
(١) صحيح البخاري : ٢ / ١٥٣ [١ / ٣٦٧ ح ١٠٣١ و ٤ / ١٥٦٤ ح ٤٠٤٦] ، صحيح مسلم : ١ / ٢٦٠ [٢ / ١٤١ ح ١٥]. (المؤلف)
(٢) المحلّى لابن حزم : ٥ / ٢٧ [المسألة ٥١٥]. (المؤلف)
(٣) المحلّى لابن حزم : ٥ / ٢٤. (المؤلف)