عمر خلفه بكوز فقال : ما هذا يا عمر؟ فقال : ماء تتوضّأ به يا رسول الله. قال : «ما أُمرت كلّما بلت أن أتوضّأ ولو فعلت كانت سنّة». مجمع الزوائد (١ / ٢٤١). وكم للحديثين من نظير في أبواب الفقه!
ولو كان هناك ترخيص لما خفي على أكابر الصحابة حتى نقدوا عثمان نقداً مرّا وفنّدوا معاذيره وفيهم مولانا أمير المؤمنين صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي هو باب مدينة علم النبيّ ، ومستقى أحكام الدين من بعده ، يعرف رُخصها من عزائمها قبل كلّ الصحابة ، فهل يعزب عنه حكم الصلاة وهو أوّل من صلّى من ذكر مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
حتى إنّ الخليفة نفسه لم يفُه بهذا العذر البارد ، ولو كان يعرف شيئاً ممّا قالوه لما أرجأ بيانه إلى هؤلاء المدافعين عنه ، ولما كان في منصرم معاذيره بعد أن أعوزته أنّه رأي رآه ، ولما كان تابعه على ذلك من تابعه محتجّا بدفع شرّ الخلاف فحسب من دون أيّ تنويه بمسألة الرخصة.
وأنت تعرف بعد هذه الأحاديث قيمة قول المحبّ الطبري في رياضه النضرة (١) (٢ / ١٥١) : إنّها مسألة اجتهاديّة ولذلك اختلف فيها العلماء ، فقوله ـ يعني عثمان ـ فيها لا يوجب تكفيراً ولا تفسيقاً. انتهى.
خفي على المغفّل أنّ الاجتهاد في تجاه النصّ لا مساغ له ، وأنّ المسألة لم يكن فيها خلاف إلى يوم أُحدوثة عثمان بل كانت السنّة الثابتة عند جميع الصحابة بقول واحد وجوب القصر للمسافر ، وما كان عمل الخليفة إلاّ مجرّد رأي رآه خلاف سنّة أبي القاسم صلىاللهعليهوآلهوسلم ويعرب عن جليّة الحال صحيح أحمد الآتي في ترجمة مروان وفيه : إنّ معاوية لمّا قدم مكة صلّى الظهر قصراً فنهض إليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّك ما عبته به ، فقال لهما : وما ذاك؟ فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكة؟ قال لهما : ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع
__________________
(١) الرياض النضرة : ٣ / ٨٩.