عثمان في المسجد الحرام ووسّعه ، وابتاع من قوم وأبى آخرون ، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال ، فصاحوا بعثمان فأمر بهم الحبس وقال : أتدرون ما جرّأكم عليّ؟ ما جرّأكم عليّ إلاّ حلمي ، قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به. ثمّ كلّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأُخرجوا. وذكره هكذا اليعقوبي في تاريخه (١) (٢ / ١٤٢) ، وابن الأثير في الكامل (٢) (٣ / ٣٩).
وأخرج البلاذري في الأنساب (٥ / ٣٨) من طريق مالك عن الزهري قال : وسّع عثمان مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأنفق عليه من ماله عشرة آلاف درهم ، فقال الناس : يوسّع مسجد رسول الله ويغيّر سنّته.
قال الأميني : كأنّ الخليفة لم يكن يرى لليد ناموساً مطّرداً في الإسلام ، ولا للملك والمالكيّة قيمة ولا كرامة في الشريعة المقدّسة ، وكأنّه لم يقرع سمعه قول نبيّ العظمة صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه» (٣).
وإنّ من العجب العجاب أنّ الخليفة نفسه أدرك عهد عمر وزيادته في المسجد ، وشاهد محاكمة العبّاس بن عبد المطّلب معه وإباءه عن إعطاء داره ، ورواية أبيّ بن كعب وأبي ذر الغفاري وغيرهما حديث بناء بيت المقدس عن داود عليهالسلام ، وقد خصمه العبّاس بذلك ، وثبتت عند عمر السنّة الشريفة فخضع لها ، كما مرّ تفصيله في الجزء السادس (ص ٢٦٢ ـ ٢٦٦). غير أنّ الرجل لم يكترث لذلك كلّه ويخالف تلك السنّة الثابتة ، ثمّ يحتجّ بفعل عمر وهيبة الناس لكنّه حلم فلم يهابوه ، فهدم دور الناس من دون رضاهم وسجن من حاوره أو فاوضه في ذلك ، ووضع الأثمان في بيت المال
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٤.
(٢) الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٣٤ حوادث سنة ٢٦ ه.
(٣) ذكره بهذا اللفظ الحافظ ابن أبي جمرة الأزدي في بهجة النفوس : ٢ / ١٣٤ [ح ٧٢] و ٤ / ١١١ [ح ٢٢٣]. (المؤلف)