أمعن النظر في الحديث لعلّك تعرف وجه الدلالة على ما ارتآه الرجل ، وما أحسبك أن تعرفه ، غير أنّ حبّ المارديني إمامه أبا حنيفة أعماه وأصمّه ، فحسب أنّه أقام البرهنة على ما خرق به الرجل إجماع الأُمّة ، وتقوّل تجاه النصّ الأغرّ ، والسنّة الثابتة ، وكلّ هذه من جرّاء رأي من صدّق الخيل بعد عفو الله ورسوله عنها.
٤ ـ فعل عمر بن الخطّاب وأخذه الزكاة من الخيل ، وليس في فعله أيّ حجّة للحنفية ولا لغيرهم ، لأنّه لم يكن ، فيما عمله ، التفصيل الذي ذكره القوم ، على أنّه كان يأخذ ما أخذه من الخيل تطوّعاً لا فريضة باستدعاء من أرباب الخيل كما مرّ في الجزء السادس (ص ١٥٥) ، وما كان يخافه مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، ويحذّر به عمر في أخذه الزكاة من الخيل من أن يعود جزية يوجبها أُناس في المستقبل ، فكان كما توسّم سلام الله عليه على عهد عثمان ، فالتفصيل المذكور أحدوثة في الدين خارجة عن السنّة الثابتة ، وهو كما قال ابن حزم في المحلّى (٥ / ٢٢٨) : وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم أحداً قاله قبلهم.
وقولهم هذا يخالف القياس الذي هو أساس مذهبهم. قال ابن رشد في ممهدات المدوّنة الكبرى (١ / ٢٦٣) : والقياس أنّه لمّا اجتمع أهل العلم في البغال والحمير على أنّه لا زكاة فيها وإن كانت سائمة ، واجتمعوا في الإبل ، والبقر ، والغنم على الزكاة فيها إذا كانت سائمة ، واختلفوا في الخيل السائمة وجب ردّها إلى البغال والحمير لا إلى الإبل والبقر والغنم ، لأنّها بها أشبه لأنّها ذات حافر كما أنّها ذوات حوافر ، وذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخفّ أو الظلف ، ولأنّ الله تبارك وتعالى قد جمع بينها فجعل الخيل والبغال والحمير صنفاً واحداً لقوله : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) (١) وجمع بين الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فجعلها صنفاً واحداً لقوله (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ
__________________
(١) النحل : ٨.