وفي لفظ ملك العلماء في بدائع الصنائع (١ / ٢٦٢) : إنّ عثمان لمّا استخلف خطب في أوّل جمعة ، فلمّا قال : الحمد لله. أُرتج عليه ، فقال : أنتم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال ، وإنّ أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المكان مقالاً وستأتيكم الخطب من بعد ، وأستغفر الله لي ولكم. ونزل وصلّى بهم الجمعة.
ولعلّه لحراجة الموقف عليه كان يماطل الخطبة باستخبار الناس وسؤالهم عن أخبارهم وأسعارهم وهو على المنبر ، كما أخرجه أحمد في المسند (١) (١ / ٧٣) من طريق موسى بن طلحة. وذكره الهيثمي في المجمع (٢ / ١٨٧) فقال : رجاله رجال الصحيح.
ولا يبرّر عمل الخليفة ما احتجّ به ابن حجر فيما مرّ عن فتح الباري (ص ١٦٠) من أنّه رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ... إلخ. لأنّ هذه المصلحة المزعومة كانت مرموقة على العهد النبويّ لكنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يرعها لما رآه من مصلحة التشريع الأقوى ، فهذا الرأي تجاه ما ثبت من السنّة نظير الاجتهاد في مقابلة النصّ ، ولو سوّغنا تغيير الأحكام ، وما قرّره الشرع الأقدس بآراء الرجال ، فلا تبقى قائمة للإسلام ، فلا فرق بينه وبين ما ارتآه مروان في كونهما بدعة مستحدثة ، وإن ضمّ إليه شنعة أخرى من سبّ من لا يحلّ سبّه.
هذا مجمل القول في أحدوثة الخليفة ، وأمّا من عداه من آل أميّة. فكانوا يسبّون ويلعنون مولانا أمير المؤمنين عليّا ـ صلوات الله عليه ـ في خطبهم على صهوات المنابر ، فلا تجلس لهم الناس وينثالون عنهم (٢) ، فقدّموا الخطبة ليضطرّ الناس إلى الاستماع له بالرغم من عدم استباحتهم ذلك القول الشائن ، لما وعوه من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الصحيح المأثور من طريق ابن عبّاس وأُمّ سلمة من قوله : «من سبّ عليّا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله تعالى» (٣).
__________________
(١) مسند أحمد : ١ / ١١٨ ح ٥٤١.
(٢) أي : يتفرقون.
(٣) المستدرك : ٣ / ١٢١ [٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٦] ، وستوافيك طرقه ومصادره. (المؤلف)