ويُزكّيه ، ويكتسح عن المجتمع معرّة الآراء الفاسدة من الفقراء ، المقلقة للسلام والمعكّرة لصفو الحياة.
ثمّ الخليفة يدّعي (١) أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعده ردّ الحكم بعد أن فاوضه في ذلك ، إن كان هذا الوعد صحيحاً فلِم لَم يعلم به أحد غيره؟ ولا عرفه الشيخان وهلاّ رواه لهما حين كلّمهما في ردّه فجبهاه بما عرفت؟ أو أنّهما لم يثقا بتلك الرواية؟ فهذه مشكلة أخرى. أو أنّهما صدّقاه؟ غير أنّهما رأيا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعده أن يردّه هو صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يردّه ، ولعلّ المصلحة الواقعيّة أو الظروف لم تساعده على إنجاز الوعد حتى قضى نحبه ، فمن اين عرف الترخيص له في ردّه؟ ولو كانت هناك شبهة رخصة؟ لعمل بها الشيخان حين فاوضهما هو في ذلك ، لكنّهما ما عرفا الشبهة ولا علما تلميحاً للرخصة بل رأياه عقدة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تنحلّ ، وفي الملل والنحل للشهرستاني (٢) (١ / ٢٥) : فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً. انتهى. ومن هنا رأى ابن عبد ربّه في العقد ، وأبو الفدا في تاريخه (١ / ١٦٨) أنّ الحكم طريد رسول الله وطريد أبي بكر وعمر أيضاً ، وكذلك الصحابة كلّهم ما عرفوا مساغاً لردّ الرجل وأبنائه ، وإلاّ لما نقموا به عليه ولعذروه على ما ارتكبه وفيهم من لا تخفى عليه مواعيد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وللخليفة معذرة أخرى ، قال ابن عبد ربّه في العقد الفريد (٣) (٢ / ٢٧٢) : لمّا ردّ عثمان الحَكَم طريد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلّم الناس في ذلك ، فقال عثمان : ما ينقم الناس منّي؟ إنّي وصلت رحماً وقرّيت عيناً. انتهى. ونحن لا نخدش العواطف بتحليل كلمة الخليفة هذه ، ولا نفصّل القول في مغزاها وإنّما نمرُّ به
__________________
(١) الأنساب للبلاذري : ٥ / ٢٧ ، الرياض النضرة : ٢ / ١٤٢ [٣ / ٨٠] ، مرآة الجنان لليافعي : ١ / ٨٥ ، الصواعق : ص ٦٨ [ص ١١٣] ، السيرة الحلبية : ٢ / ٨٦ [٢ / ٧٧]. (المؤلف)
(٢) الملل والنحل : ١ / ٣٢.
(٣) العقد الفريد : ٤ / ١١٨.