من طريق (١) سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : أنّ عقبة (٢) بن أبي معيط كان يجلس مع النبيّ بمكة لا يؤذيه ، وكان له خليل (٣) غائب عنه بالشام ، فقالت قريش : صبا عقبة. وقدم خليله من الشام ليلاً فقال لامرأته : ما فعل محمد ممّا كان عليه؟ فقالت : أشدّ مما كان أمراً. فقال : ما فعل خليلي عقبة؟ فقالت : صبا. فبات بليلة سوء. فلمّا أصبح أتاه عقبة فحيّاه فلم يردّ عليه التحية ، فقال : ما لك لا تردّ عليّ تحيّتي؟ فقال : كيف أردُّ عليك تحيّتك وقد صبوت؟ قال : أوَ قد فعلتها قريش؟ قال : نعم ، قال : فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلته؟ قال : تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم ، ففعل ، فلم يردّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن مسح وجهه من البزاق ثمّ التفت إليه فقال : «إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً».
فلمّا كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج ، فقال له أصحابه : أخرج معنا ، قال : وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبراً ، فقالوا : لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه. فخرج معهم ، فلمّا هزم الله المشركين وحمل (٤) به جمله في جدود من الأرض فأخذه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أسيراً في سبعين من قريش وقدّم إليه عقبة فقال : أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال : «نعم ، بما بزقت في وجهي». وفي لفظ الطبري : «بكفرك وفجورك وعتوّك على الله ورسوله». فأمر عليّا فضرب عنقه فأنزل الله فيه : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ). إلى قوله تعالى : (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً).
__________________
(١) دلائل النبوّة : ٢ / ٦٠٦ ـ ٦٠٧ خ ٤٠١.
(٢) وقع في الدرّ المنثور [٦ / ٢٥٠] الاشتباه في اسم الرجل فجعله أبا معيط ، وتبعه على علاّته من حكاه عنه كالشوكاني [في تفسيره : ٤ / ٧٤] وغيره. (المؤلف)
(٣) هو أُبيّ بن خلف كما سمعت ، وفي غير واحد من المصادر : أُميّة بن خلف : (المؤلف)
(٤) في الدر المنثور : وَحَلَ به جملُهُ في جدد من الأرض.