كان يبذل كلّ جهده في تأسيس حكومة أمويّة قاهرة في الحواضر الإسلاميّة كلّها تقهر مَن عداهم ، وتنسي ذكرهم في القرون الغابرة ، غير أنّ القَدر الحاتم راغمه على منويّاته فجعل الذكر الجميل الخالد والبقيّة المتواصلة في الحقب والأجيال كلّها لآل عليّ عليه وعليهمالسلام ، وأمّا آل حرب فلا تجد من ينتمي إليهم غير متوارٍ بانتسابه ، متخافت عند ذكر نسبه ؛ فكأنّهم حديث أمس الدابر ، فلا ترى لهم ذكراً ، ولا تسمع لأحد منهم رِكزاً.
كان الخليفة يمضي وراء نيّته هاتيك قدماً ؛ وراء أمل أبي سفيان فيما قال له يوم استخلف : فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أُميّة. فولّى على الأمر في المراكز الحسّاسة والبلاد العظيمة أغلمة بني أميّة ، وشبابهم المترَف المتبختر في شرخ الشبيبة وغلوائها.
وأمّر فتيانهم الناشطين للعمل ، الذين لم تحنّكهم الأيّام ولم يؤدّبهم الزمان ، وسلّطهم على رقاب الناس ، ووطّد لهم السبل ، وكسح عن مسيرهم العراقيل ، وفتح باب الفتن والجور بمصراعيه على الجامع الصالح في الأمصار الإسلاميّة ، وجرّ الويلات بيد أُولئك الطغام على نفسه وعلى الأُمّة المرحومة من يومه وهلمّ جراً.
قال أبو عمر (١) : دخل شبل بن خالد على عثمان رضى الله عنه حين لم يكن عنده غير أمويّ فقال : ما لكم معشر قريش؟ أما فيكم صغير تريدون أن ينبُل؟ أو فقير تريدون غناه؟ أو خامل تريدون التنويه باسمه؟ عَلام أقطعتم هذا الأشعري ـ يعني أبا موسى ـ العراق يأكلها هضماً؟ فقال عثمان : ومن لها؟ فأشاروا بعبد الله (٢) بن عامر
__________________
(١) الاستيعاب : القسم الثاني / ٦٩٣ رقم ١١٥٥.
(٢) كان ابن خال عثمان ، لأن أُمّ عثمان أروى بنت كريز. وعبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. (المؤلف)