عثمان : قد كثر أذاك لي وتولّعك بأصحابي ، الحق بالشام. فأخرجه إليها ، فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فبعث إليه معاوية يوماً ثلاثمائة دينار ، فقال أبو ذر لرسوله : إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا أقبلها ، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها. وردّها عليه. ثمّ بنى معاوية الخضراء بدمشق فقال أبو ذر : يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهي الإسراف ، وكان أبو ذر يقول بالشام : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والله إنّي لأرى حقّا يُطفأ ، وباطلاً يُحيا ، وصادقاً مكذّباً ، وأثرةً بغير تقى ، وصالحاً مستأثراً عليه. فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية : إنّ أبا ذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة.
وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب السفيانيّة عن جلام بن جندل الغفاري قال : كنت غلاماً لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان ، فجئت إليه يوماً أسأله عن حال عملي إذ سمعت صارخاً على باب داره يقول : أتتكم القطار تحمل النار ، اللهمّ العن الآمرين بالمعروف والتاركين له ، اللهمّ العن الناهين عن المنكر المرتكبين له. فازبأرّ (١) معاوية وتغيّر لونه وقال : يا جلام أتعرف الصارخ؟ فقلت : اللهمّ لا. قال : من عَذيري من جندب بن جنادة يأتينا كلّ يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت ، ثمّ قال : ادخلوه عليّ ، فجيء بأبي ذر بين قوم يقودونه حتى وقف بين يديه ، فقال له معاوية : يا عدوّ الله وعدوّ رسوله تأتينا في كلّ يوم فتصنع ما تصنع ، أما إنّي لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك ولكنّي أستأذن فيك. قال جلام : وكنت أُحبُّ أن أرى أبا ذر لأنّه رجل من قومي ، فالتفتّ إليه فإذا رجل أسمر ضرب (٢) من الرجال خفيف العارضين في ظهره
__________________
(١) ازبأرّ الرجل ازبئراراً : تهيّأ للشرّ. (المؤلف)
(٢) الضرب : الرجل الماضي الندب. (المؤلف)