فنمت فيه. قال : «فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟» قلت : إذاً ألحق بالشام فإنّها أرض مقدّسة وأرض الجهاد. قال : «فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟» قلت : أرجع إلى المسجد قال : «فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟» قلت : آخذ سيفي فأضربهم به ، فقال : «ألا أدلُّك على خير من ذلك؟ انسَق (١) معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع». فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأُطيع ، والله ليلقينّ الله عثمان وهو آثم في جنبي.
ثمّ ذكر ابن أبي الحديد الخلاف في أمر أبي ذر ، وحكى عن أبي علي حديث البخاري الذي أسلفناه (ص ٢٩٥) فقال : ونحن نقول : هذه الأخبار وإن كانت قد رويت لكنّها ليست في الاشتهار والكثرة كتلك الأخبار ، والوجه أن يقال في الاعتذار عن عثمان وحسن الظنّ بفعله : إنّه خاف الفتنة واختلاف كلمة المسلمين فغلب على ظنّه أنّ إخراج أبي ذر إلى الربذة أحسم للشغب وأقطع لأطماع من يشرئبُّ إلى شقّ العصا ، فأخرجه مراعاةً للمصلحة ومثل ذلك يجوز للإمام ، هكذا يقول أصحابنا المعتزلة وهو الأليق بمكارم الأخلاق ، فقد قال الشاعر :
إذا ما أتت من صاحبٍ لك زلّةٌ |
|
فكن أنت محتالاً لزلّته عذرا |
وإنّما يتأوّل أصحابنا لمن يحتمل حاله التأويل كعثمان ، فأمّا من لم يحتمل حاله التأويل وإن كانت له صحبة سالفة كمعاوية وأضرابه فإنّهم لا يتأوّلون لهم ، إذا كانت أفعالهم وأحوالهم لا وجه لتأويلها ولا تقبل العلاج والإصلاح. انتهى.
من المستصعب جدّا التفكيك بين الخليفتين وبين أعمالهم ، فأنّهما من شجرةٍ واحدة ، وهما في العمل صنوان ، لا يشذّ أحدهما عن الآخر ، فتربّص حتى حين ، وسنوقفك على جليّة الحال.
__________________
(١) فعل أمر من : إنساق ينساق.