لا أحسب أنّهم عرفوا شيئاً من تلكم المغازي ، وأنّهم في ظنّي الغالب بهم شيوعيّة خونة يديفون السمّ في الدسم ، ويُسرّون حسواً في ارتغاء (١) ، اتّخذوا ما قالوه بل تقوّلوه أكبر دعاية إلى تلكم المبادئ الهدّامة لأُسس المدنيّة والحضارة ، المضادّة لناموس الطبيعة ، فضلاً عن حدود الإسلام ، يجعل مثل أبي ذر العظيم شيوعيّا أو اشتراكيّا ، وقد صافقه على ما هتف به ونقم على من ناوأه وآذاه من القوم جلّ الصحابة إن لم نقل كلّهم ممّن يعبأ به وبرأيه ، واستاءوا لما نُكب به من جرّاء ذلك الهتاف وفي مقدّمهم مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام وابناه الإمامان إن قاما وإن قعدا ، وعمّار الذي قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ عمّاراً مع الحقّ والحقّ معه يدور عمّار مع الحقّ أينما دار» (٢) إلى كثيرين وافقوا هؤلاء على النقمة والاستياء ، فلم يكن أبو ذر شاذّا في رأيه ، ولا أُنهي إلينا أنّه خالفه أحد من الصحابة ، فدونك صحائف التاريخ وزبر الحديث.
نعم ؛ خالفه الذين يريدون أن يخضموا مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، وكانوا يكنزون الذهب والفضّة ولا يُنفقون منها ما يجب عليهم إنفاقه ، ويحرمون الأُمّة عن أعطياتهم وما ينمو منها ، ويريدون للضعفاء أن يرزخوا تحت نير الاضطهاد ، ويرسفوا في قيود الفاقة والضعة ، خاضعين لهم مستعبدين ، وللقوم من أموالهم قصور مشيّدة ، ونمارق مصفوفة ، وزرابيّ مبثوثة ، يأكلون فيها مال الله أكلاً لمّا ، ويحبّون احتكاره حبّا جمّا.
نعم ؛ خالفه أولئك الذين عرّفهم يزيد بن قيس الأرحبيّ يوم صفين بقوله من خطبة له : يحدّث أحدهم في مجلسه بذيت وذيت (٣) ، ويأخذ مال الله ، ويقول : لا إثم
__________________
(١) مثل يضرب لمن يُريك أنّه يعينك ، وإنما يجرّ النفع إلى نفسه. مجمع الأمثال ٣ / ٥٢٥ رقم ٤٦٨٠.
(٢) سيوافيك في محلّه في الجزء التاسع بإذن الله تعالى. (المؤلف)
(٣) من ألفاظ الكنايات. ومعناها : كيت وكيت.