وماذا عليه لو قام معه فيقطع مادّة البغضاء؟ وما ذا عليه لو سكت عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يُسىء الأدب بالاعتراض والنقد على قيامه؟
وما ذا عليه لو أبقى الملَك وهو يحسبه مظلوماً فيسبّ الرجل ردّا عليه؟ لكنّه رآه مكافئ الظالم فتركه.
وعجبي ممّا في لفظ أحمد من قول النبيّ لأبي بكر : فلمّا رددتَ عليه بعض قوله وقع الشيطان. إلى آخره. كيف كان ذلك المحفل خلواً من الشيطان إلى أن ردّ عليه أبو بكر والرجل كان يشتم أبا بكر ويُكثر ، ولمّا ردّ عليه وقع الشيطان؟ فكأنّ ردّ أبي بكر كان من همزات الشيطان دون سبّ الرجل إيّاه ، وكأنّ النبيّ الأعظم لم تكن له مندوحة عن سماع شتم الرجل أبا بكر ، أو لم تكن فيه مغضبة دون ردّ أبي بكر إيّاه؟ إنّ هذا لشيء عجاب!
ثمّ هل في عالم الملكوت من يقابل البذاءة بمثلها؟ أو أنّ هناك عالم القداسة لا يطرقه الفحش والسباب المقذع لقبحهما الذاتي؟ وهل لله سبحانه ملائكة قيّضهم لذلك العمل القبيح؟ وهل هذا التقييض مخصوص بأبي بكر فحسب؟ أو أنّه يكون لكلّ متسابّين من المؤمنين إذا سكت أحدهما؟ وهل قُيّضت الملائكة للردّ على من هجا رسول الله من المشركين؟ أنا لم أقف على أثر في هذه كلّها ، وليست المسألة عقليّة فتعضدها البرهنة ، مع قطع النظر عن استهجان العقل السليم لذلك ، والمتيقّن أنّ جزاء الشاتم إن كان ظالماً مُرجَأ إلى يوم الجزاء ، وأمّا ردّه بقول لا يسمعه الظالم فيتأدّب ويرتدع ، ولا المظلوم فيشفي غليله ، ولا أيّ أحد فيكون فضيحة لمرتكب القبيح فعساه يترك شنعته ، فمن التافهات (١) ، نعم ؛ أخرج الخطيب في تاريخه (٥ / ٢٨٠)
__________________
(١) من التافهات : متعلق بخبر لمبتدأ محذوف إذ التقدير : فهو من التافهات ، والجملة الاسمية خبر للمبتدإ في قوله وأما ردّه.