بما لا مجال للشكّ معه في أنّ أبا ذر رضى الله عنه مخطئ في هذا الرأي. والحقّ أنّ هذا مذهب غريب من صحابيّ جليل كأبي ذر ، وذلك لبعده عن مبادئ الإسلام وعمّا هو الحقّ الظاهر الواضح ، ولذلك استنكره الناس في زمنه واستغربوه منه.
قال الآلوسي في تفسيره (١) بعد ما بيّن مذهبه ما نصّه : وكثر المعترضون على أبي ذر في دعواه تلك ، وكان الناس يقرءون له آية المواريث ويقولون : لو وجب إنفاق كلّ المال لم يكن للآية وجه. وكانوا يجتمعون عليه مزدحمين حيث حلّ مستغربين منه ذلك. انتهى.
ومن هذا يتبيّن أنّ هذا الرأي خطأ وصاحبه مجتهد مخطئ مغفور له خطؤه بل مأجور على اجتهاده ، ولكنّه لا يُتابع فيما أخطأ فيه بعد تبيين أنّه خطأ لا يتّفق هو وما يدلّ عليه كتاب الله وسنّة رسوله وقواعد الدين الإسلاميّ.
ولمّا كان مذهبه داعياً إلى الإخلال بالنظام والفتنة بين الناس طلب معاوية والي الشام من الخليفة عثمان رضى الله عنه أن يستدعيه إلى المدينة ـ وكان أبو ذر وقتئذٍ في الشام فاستدعاه الخليفة ، فأخذ أبو ذر يقرّر مذهبه ويفتي به ويذيعه بين الناس ، فطلب منه عثمان أن يقيم بجهة بعيدة عن الناس ، فأقام بالربذة ـ مكان بين مكة والمدينة.
وقال ابن كثير في تفسيره (٢) : كان من مذهب أبي ذر رضى الله عنه تحريم ادّخار ما زاد على نفقة العيال. وكان يفتي بذلك ويحثّهم عليه ويأمرهم به ويغلظ في خلافه ، فنهاه معاوية فلم ينته ، فخشي أن يضرّ بالناس في هذا فكتب يشكوه إلى عثمان وأن يأخذه إليه ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالربذة وحده ، وبها مات رضى الله عنه في خلافة عثمان.
__________________
(١) روح المعاني : ١٠ / ٨٧.
(٢) تفسير ابن كثير : ٢ / ٣٥٣.