وثوقاً بما تضمّنته هذه الرواية من أُكذوبة حديث الأبواب وسدّها ، وما لابن تيميّة هنالك من مكاء وتصدية.
وأمّا بقيّة الحديث فممّا فيه قول أبي سعيد : وكان أبو بكر أعلمنا. لم يخصّ هذا العلم بأبي بكر وإنّما تحمّله كلّ من سمعه صلىاللهعليهوآلهوسلم ووعى أقواله في حجّة الوداع الذي كان يقول فيها : «يوشك أن أُدعى فأجيب».
إلى ما يقارب ذلك ممّا هو مذكور في الجزء الأوّل. وهب أنّ العلم بذلك كان مقصوراً على الخليفة لكنّه أيّ علم هذا يباهى به؟ أهو حلّ عويصة من الفقه؟ أو بيان مشكلة من الفلسفة؟ أو شرح غوامض من علوم الدين؟ أو كشف مخبّأ من أسرار الكون؟ لم يكن في هذا العلم شيء من ذلك كلّه وإنّما هو على فرض الصحّة تنبّه منه إلى أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد نفسه ، ولعلّه سمعه قبل ذلك فتذكّره عندئذٍ ، وقد أسلفناه في الجزء السابع عند البحث عن أعلميّة الرجل بما لا مزيد عليه. فراجع.
أمّا قوله : إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر. فأيّ منٍّ لأيّ أحد في صحبته صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنفاق ماله في دعوته؟ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (١) ، (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (٢) ، وكانت لرسول الله المنّة على البشر عامّة بالدعوة والهداية والتهذيب ، وإن صاحَبه أحد وناصَره فلنفسه نظر ولها نصح ، (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣) (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤).
__________________
(١) فصّلت : ٤٦.
(٢) الإسراء : ٧.
(٣) الحجرات : ١٧.
(٤) آل عمران : ١٦٤.