بقي فيك شيء من كبر الجاهليّة». فألقى أبو ذر خدّه على التراب ثمّ قال : لا أرفع خدّي حتى يطأ بلال خدّي بقدمه. انتهى.
وهكذا رواه البرماوي ، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري (١) (١ / ١١٣) وقال : زاد ابن الملقن : فوطأ خدّه.
هذا أبو ذر وهذا أدبه وكرم أخلاقه ، وإنّه لعلى خلق عظيم.
٥ ـ ما ادّعاه من كثرة المتعرّضين لأبي ذر ... إلخ. ليته سمّى واحداً من أولئك المتعرّضين ، أو سمّى مصدراً ولو من أتفه المصادر يصافقه على هذه الدعوى ، وإنّما كانت الصحابة يومئذٍ بين مصافق لأبي ذر على هتافه ، ومُسلّ له على نكبته ، ومُستاء على ما أصابه من الأذى ، وناقم على من فعل به ذلك ، لم يكن عندئذٍ من يردّ عليه قوله ويحفظ آية المواريث ، وأبو ذر ناسيها وهو وعاء ملئ علماً بشهادة من أعلم الأُمّة باب مدينة علم النبيّ صلّى الله عليهما وآلهما.
كان من العزيز على صلحاء الصحابة المنابأة (٢) بالفادح الجلل تسيير أبي ذر إلى الربذة لكرههم ذلك ونُبوِّ (٣) سمعهم عنه ، وكان الصحابيّ الصالح يسترجع مراراً لمّا قرع سمعه ذلك النبأ المزري ، وكان يقول : ارتقبهم واصطبر ، اللهمّ إن كذّبوا أبا ذر فإنّي لا أُكذّبه ، اللهمّ وإن اتّهموه فإنّي لا أتّهمه ، اللهمّ وإن استغشّوه فانّي لا أستغشّه ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يأتمنه حين لا يأتمن أحداً ، ويسرّ إليه حين لا يسرّ إلى أحد (٤).
ولعلّ الآلوسي يريد بمن ذكرهم من المتعرّضين طغمة آل أُميّة المتّخذين مال الله
__________________
(١) إرشاد الساري : ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ح ٣٠.
(٢) كذا ، ولعله رحمهالله أراد : المُنابة : من نابه أمر إذا نزل به أو أصابه.
(٣) نبا سمعه نبوّا : أي تجافى وكره.
(٤) راجع من هذا الجزء صفحة : ٣١٥. (المؤلف)