في تسييره ، إلى مضروب كسرت أضالعه ، إلى مهان توجّهت إليه لسبات الألسن.
وقبل هؤلاء مولانا أمير المؤمنين صالح الأُمّة ، يراه عثمان أحقّ بالنفي من أولئك كما يأتي حديثه ؛ وأخرجه إلى ينبع مرّة بعد أخرى ليقلّ هتاف الناس باسمه للخلافة ، وقال لابن عبّاس : اكفني ابن عمّك. وقال ابن عبّاس : ابن عمّي ليس بالرجل يُرى له ، ولكنّه يرى لنفسه فأرسلني إليه بما أحببت. قال : قل له فليخرج إلى ماله بينبع فلا أغتم به ولا يغتمّ بي. فأتى عليّا فأخبره ، فقال : «ما اتّخذني عثمان إلاّ ناضحاً» ثم أنشد يقول :
فكيف به إنّي أُداوي جراحَهُ |
|
فيدوى فلا ملّ الدواءُ ولا الداءُ |
وقال : «يا ابن عبّاس ما يريد عثمان إلاّ أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغَرْب (١) أُقبل وأُدبر ، بعث إليّ أن أخرج ، ثمّ بعث إليّ أن أقدم ، ثمّ هو الآن يبعث إليّ أن أخرج والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثماً» (٢).
فهلاّ كان ابن سبأ وأصحابه بمرأى من الخليفة ومسمع وقد طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، وكيف بهضه أمر أولئك الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ولا يهمّه قمع تلكم الجرثومة الخبيثة باجتثاث أصلها بإعدام عبد الله بن سبأ ، أو صلبه على جذوع النخل ، أو قطع يده ورجله من خلاف ، أو نفيه من الأرض؟
هلاّ كان واجب الخليفة أن يشاور صلحاء الصحابة في الرجل الضالّ المضلّ ، بدل ما شاور أبناء بيته الساقط في أبي ذر العظيم بقوله القارص : أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب ، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله ، فإنّه قد فرّق جماعة المسلمين ،
__________________
(١) نضح الجمل الماء : حمله من بئر أو نهر ليسقي به الزرع فهو ناضح. والغرب ـ بالفتح فسكون ـ : الدلو العظيمة ، والكلام تمثيل للتسخير. (المؤلف)
(٢) نهج البلاغة : ١ / ٤٦٨ [ص ٣٥٨ رقم ٢٤٠] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٧٤ [٤ / ١٢١]. (المؤلف)