عقّبه الحسن النعماني في تعليق المفتاح ، فقال : كيف يتّجه أنَّ الإمام كان صغيراً وتربّى في حجر الإمام الصادق ، لأنَّ جعفر الصادق توفّي سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة ، والإمام أبو حنيفة توفّي سنة خمسين ومائة وولد على قول الأكثر (١) سنة ثمانين ، فتكون سنة ولادتهما واحدة ، وبين وفاتيهما سنتان ، ثبت أنّهما من الأقران لا أنَّ الإمام صغيرٌ ، والإمام جعفر الصادق كبيرٌ.
وفي غضون ما ألّفه الموفّق بن أحمد ، والحافظ الكردري في مناقب أبي حنيفة ، وما ذكره بعض الحنفيّة في معاجم التراجم لدى ترجمته خرافات وسفاسف جمّة تُشوّه سمعة الإسلام المقدّس ، ولا يسوّغه العقل والمنطق إن لم يشفعهما الغلوّ في الفضائل ، ومن أعجب ما رأيت ما ذكره الإمام أبو الحسين الهمداني في آخر خزانة المفتين ؛ من أنَّ الإمام أبا حنيفة لمّا حجَّ حجّة الوداع أعطى لسدنة الكعبة مالاً عظيماً حتى أخلوا له البيت ، فدخل وشرع للصلاة ، وافتتح القراءة كما هو دأبه على رجله اليمنى حتى قرأ نصف القرآن ، ثم ركع ، وقام في الثانية على رجله اليسرى حتى ختم القرآن ثم قال : إلهي عرفتك حقَّ المعرفة لكن ما قمت بكمال الطاعة ، فهب نقصان الخدمة بكمال المعرفة ، فنودي من زاوية البيت : عرفت فأحسنت المعرفة ، وخدمت فأخلصت الخدمة ، غفرنا لك ولمن اتّبعك ، ولمن كان على مذهبك إلى قيام الساعة (٢).
قال الأميني : ليت شعري أيّ كميّة من الزمن استوعبها الإمام حتى ختم الكتاب العزيز في ركعتيه ، وقد أُخلي له البيت في يوم من أيّام الموسم والناس عندئذٍ مزدلفون حول البيت ، يتحرّون التبرّك بالدخول فيه ؟! وكيف وسع السدنة منع أُولئك الجماهير عن قصدهم ، وكبح رغباتهم الأكيدة طيلة تلك البرهة الطويلة ؟!
ثم ما هذا الدأب من الإمام على قراءة نصف القرآن الأوّل على رجله اليمنى ،
___________________________________
(١) وقال بعض : إنه ولد سنة إحدى وستين [ وفيات الأعيان : ٥ / ٤١٣ وصحح القول الأَوّل ].
( المؤلف )
(٢) مفتاح السعادة ٢ / ٨٢ [ ٢ / ١٩٢ ]. ( المؤلف )