وأهل الشام فرحوا فرحاً شديداً ، بموت ذلك البطل المجاهد (١) لمحض أنّه كان يناصر إمام وقته المنصوص عليه والمجمع على خلافته ، ولا غرو فإنّه كان يسرّ ابن هند كلّ ما ساء ملّة الحقّ وأئمّة الهدى وأولياء الصلاح ، وما كان يسعه أن يأتي بطامّة أكبر من هذه لو لم يكن في الإسلام للنفوس القادسة أيّ حرمة ، وللأئمّة عليهمالسلام ومناصريهم أيّ مكانة ، حتى لو كان معاوية مستمرّاً على ما دأب عليه إلى أُخريات عهد النبوّة من الكفر المخزي فلم يحدُهُ الفَرَق من بارقة الإسلام إلى الاستسلام ، فما جاء زبانيته الكفرة يومئذٍ بأفظع من هذه وأمثالها يوم قتلوا خيار أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لمناصرتهم إيّاه ، وحبّهم ذوي قرباه ، ودفاعهم عن ناموس أهل بيته الأكرمين.
ومن ضحايا ملك معاوية العضوض ، وذبائح حكومته الغاشمة ، وليد حرم أمن الله ، وربيب بيت العصمة والقداسة : محمد بن أبي بكر.
بعث معاوية عمرو بن العاص إلى مصر في ستّة آلاف رجل ، ومحمد بن أبي بكر عامل أمير المؤمنين عليها ، فخرج عمرو وسار حتى نزل أداني أرض مصر فاجتمعت العثمانيّة إليه فأقام بهم وكتب إلى محمد بن أبي بكر :
أمّا بعد : فتنحَّ عنّي بدمك يابن أبي بكر فإنّي لا أُحبّ أن يصيبك منّي ظفرٌ ، إنَّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك ، وندموا على اتّباعك ، فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان ، فاخرج منها فإنّي لك من الناصحين. والسلام.
وبعث إليه عمرو بكتاب كتبه معاوية إليه أيضاً وفيه :
___________________________________
(١) تاريخ ابن كثير : ٧ / ٣١٢ [ ٧ / ٣٤٧ حوادث سنة ٣٨ هـ ]. ( المؤلف )