وما للبحارِ الزاخراتِ تلاطمتْ |
|
وأمواجُها أيدٍ وساحلُها خدُّ |
فقلت نعى الناعي إلينا محمداً |
|
فذاب أسىً من نعيه الحجرُ الصلدُ |
مضى فائقَ الأوصافِ مكتملَ العُلى |
|
ومن هو في طرق السرى العلَمُ الفردُ |
فكم قلمٍ ملقىً من الحزن صامت |
|
فما عنده للصامتين له ردُّ |
وطالب علمٍ كان مغتبطاً به |
|
كمغتنمٍ للوصل فاجأه الصدُّ |
لقد أظلمت طرق المباحث بعده |
|
وكان كبدر التمِّ قارنه السعدُ |
فأهل المعالي يلطمون خدودَهمْ |
|
وقد قلَّ في ذا الرزء أن يُلطَمَ الخدُّ |
لرزء الحريريّ استبان على العُلى |
|
أسىً لم تكن لولا المصابُ به يبدو |
وشاعرنا ـ الحريريّ ـ مع أنّه وليد مهد العروبة ، ورضيع ثدي مجدها المؤثّل ، له في الأدب والقريض يدٌ ناصعة ، وفي علوم لغة الضاد تضلّع وتقدّم ، قال سيدنا المدني في السلافة (١) : له الأدب الذي أينعت ثمار رياضه ، وتبسّمت أزهار حدائقه وغياضه ، فحلا جناها لأذواق الأفهام ، وتنشّق عرفها كلّ ذي فهم فهّام. فمن مطربِ كلامِهِ الذي سجعت به على أغصان أنامله عنادل أقلامه قوله مادحاً شيخه الشيخ شرف الدين الدمشقي سنة ستّ وعشرين وألف :
إذا ما منحت جفوني القرارا |
|
فمر طارق الطيف يدني المزارا |
فعلّك تثلجُ قلباً به |
|
تأجّجَ وجداً وزاد استعارا |
وأنّى يزور فتىً قد براه |
|
سقامٌ يمضّ ولو زار حارا |
خليليَ عرِّج على رامةٍ |
|
لأنظر سلعاً وتلك الديارا |
وعُج بي على ربعِ من قد نأى |
|
لأسكبَ فيه الدموعَ الغزارا |
فقلبيَ من منذ زمَّ المطيُّ |
|
ترحّل عنّي إلى حيث سارا |
فهل ناشدٌ ليَ وادي العقيق |
|
عنه فإنّي عدمت القرارا |
___________________________________
(١) سلافة العصر : ص ٣١٦.