فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي ، فلمّا رأى عمراً عرفه وكتب إلى معاوية بخبره فكتب إليه معاوية : إنّه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص كانت معه ، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان. فأخرج فطعن تسع طعنات فمات في الأولى منهنَّ أو في الثانية وبعث برأسه إلى معاوية ، فكان رأسه أوّل رأس حمل في الإسلام.
قال الأميني : هذا الصحابيُّ العظيم ـ عمرو بن الحمق ـ الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة (١) محكومٌ عليه عند القوم وغيرهم بالعدالة وكون أقواله وأفعاله حجّة. لولا أنَّ عدالة الصحابة تمطّط إلى أُناس معلومين بالخلاعة والمجون كمغيرة بن شعبة ، والحكم بن أبي العاص ، والوليد بن عقبة ، وعبد الله بن أبي سرح ، وزياد بن أبيه ، وأُغيلمة قريش من الشباب الزائف ممّن جرّت المخازي إليهم الويلات ، وتتقلّص عن آخرين أنهكتهم العبادة ، وحنّكتهم الشريعة ، وأبلتهم الطاعة كعمرو بن الحمق ، وحُجر بن عدي ، وعدي بن حاتم ، وزيد وصعصعة ابني صوحان ، ولداتهم.
أنا لا أدري ما كان المبرِّر للنيل من عمرو وقتله ؟ وأيُّ جريمة أوجبت أن يُطعن بالطعنات التسع اللاتي أجهزت عليه أولاهنَّ أو ثانيتها ؟ أمّا واقعة عثمان فكان الصحابة مجمعين عليها بين سبب ومباشر كما قدّمناه لكم في الجزء التاسع ( ص ٦٩ ـ ١٦٩ ) فلِمَ لم يؤاخذوا عليها واختصّت المقاصّة أُناساً انقطعوا إلى ولاء مولانا أمير المؤمنين ولاء الله وولاء رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ ولم يجهّز معاوية الجيوش ولا بعث البعوث على طلحة والزبير وهما أشدُّ الناس في أمر عثمان وأوغلهم في دمه ؟! ومن ذا الذي أودى بعثمان غير معاوية نفسه في تثبّطه عن نصره وتربّصه به حتى بلغ السيف منه المحزّ (٢) ؟ ولماذا كان يندِّد ويهدِّد ، ويؤاخذ أهل المدينة وغيرهم بأنَّهم تخاذلوا عن نصرته ولا يفعل شيئاً عن ذلك بنفسه المتهاونة عن أمر الرجل ؟ نعم ؛ كانت تلكم
___________________________________
(١) كذا وصفه الإمام السبط الحسين عليهالسلام فيما مرّ من كتاب له إلى معاوية. ( المؤلف )
(٢) راجع الجزء التاسع : ص ١٥٠ ـ ١٥٣. ( المؤلف )