الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة ، فلمّا انتهوا إلى جبّانة عرزَم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهي في جبّانة عرزَم فإذا بناته مشرفات ، فقال لوائل وكثير : ائذنا لي فأُوصي أهلي. فأذنا له ، فلمّا دنا منهنّ وهنّ يبكين سكت عنهنّ ساعة ثم قال : اسكنَّ فسكتن. فقال : اتّقين الله عزّوجلّ واصبرن فإنّي أرجو من ربّي في وجهي هذا إحدى الحسنيين : إمّا الشهادة وهي السعادة ، وإمّا الانصراف إليكنّ في عافية. وإنّ الذي يرزقكنّ ويكفيني مؤنتكنّ هو الله تعالى وهو حيٌّ لا يموت ، أرجو أن لا يضيّعكنّ وأن يحفظني فيكنّ. ثم انصرف فمرّ بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية.
فساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق وهم اثنا عشر رجلاً :
حُجر بن عدي ، الأرقم بن عبد الله ، شريك بن شدّاد ، صيفي بن فسيل ، قبيصة بن ضبيعة ، كريم بن عفيف ، عاصم بن عوف ، ورقاء بن سمي ، كدام بن حيّان ، عبد الرحمن بن حسّان ، محرز بن شهاب ، عبد الله بن حويّة. وأتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الأسود فتمّوا أربعة عشر رجلاً ، فحُبِسوا بمرج عذراء ، فبعث معاوية إلى وائل بن حُجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذ كتابهما فقرأه على أهل الشام فإذا فيه :
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيِمِ
لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان. أمّا بعد :
فإنّ الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء ، فأداله من عدوّه وكفاه مؤنة من بغى عليه ، إنّ طواغيت الترابيّة الصبائيّة (١) رأسهم حُجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين ، وفارقوا جماعة المسلمين ، ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما
___________________________________
(١) في الأغاني : الترابية السابّة.