الطريق حتى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها ، وجاء عمرو بن العاص حتى دخل الفُسطاط ، وخرج معاوية بن حُديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج في قارعة الطريق فسألهم هل مرَّ بكم أحد تنكرونه ؟ فقال أحدهم : لا والله إلّا أنّي دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالسٌ. فقال ابن حديج : هو هو وربِّ الكعبة.
فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشاً فأقبلوا به نحو فسطاط مصر ، ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان في جنده فقال : أتقتل أخي صبراً ؟ ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه. فبعث إليه عمرو بن العاص يأمره أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر ، فقال معاوية : أكذاك قتلتم كنانة ابن بشر وأُخلّي أنا عن محمد بن أبي بكر ؟ هيهات أكفّاركم خيرٌ من أُولئكم أم لكم براءةٌ في الزُّبر ؟!
فقال لهم محمد : اسقوني من الماء. قال له معاوية بن حديج : لا سقاه الله إن سقاك قطرةً أبداً ، إنّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائماً محرماً فتلقّاه الله بالرحيق المختوم ، والله لأقتلنّك يابن أبي بكر فيسقيك الله الحميم والغسّاق.
قال له محمد : يابن اليهوديّة النسّاجة ليس ذلك إليك وإلى من ذكرت إنّما ذلك إلى الله عزَّوجلَّ يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه أنت وضرباؤك ومن تولّاه ، أما والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّي هذا. قال له معاوية : أتدري ما أصنع بك ؟ أدخلك في جوف حمار ثم أحرقه عليك بالنار. فقال له محمد : إن فعلتم بي ذلك فطالما فُعل ذلك بأولياء الله ، وإنّي لأرجو هذه النار التي تُحرقني بها أن يجعلها الله عليَّ برداً وسلاماً كما جعلها على خليله إبراهيم ، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه ، إنَّ الله يُحرقك ومن ذكرته قبلُ وإمامك ـ يعني معاوية ـ وهذا ـ وأشار إلى عمرو بن العاص ـ بنار تلظّى عليكم كلّما خبت زادها الله سعيراً.