.................................................................................................
______________________________________________________
لكن الظاهر إمكان الإسناد بعناية أخرى أقرب إلى أذهان العرف ، وهي تجريد الشك واليقين عن الزمان ولحاظ اتحاد متعلقيهما ، يعني إلغاء متعلق اليقين من حيث كونه حدوث الشيء ، ومتعلق الشك من حيث كونه بقاءه ، فكأنّ هذين الوصفين تعلّقا بذات واحدة وهي العدالة ، وحيث كان الملحوظ نفس المتعلق كان هذا المقدار كافياً في صحة اسناد النقض إلى اليقين ، ولا يبقى مجال لتخصيص مفاد الأخبار بالشك في الرافع فقط. ففي المثال المتقدم يصح أن يقال : «عُلِمت العدالة ثم شُكّ فيها» فبلحاظ اتحاد متعلقي اليقين والشك ذاتاً يصح اسناد النقض إلى اليقين ، ويقال : انتقض اليقين بعدالة زيد بالشك فيها سواء أكان المتيقن مقتضياً للبقاء أم لا.
فان قلت : ان اسناد النقض إلى اليقين حيث كان مجازياً على كل حال ، فمقتضى قاعدة «إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات أولى» هو حمل «النقض» على رفع اليد عن خصوص اليقين المتعلق بما فيه اقتضاء البقاء ، لكونه أقرب إلى المعنى الحقيقي من حمله على رفع اليد عن مطلق اليقين وان تعلق بما ليس في ذاته اقتضاء الدوام ، وعليه يختص اعتبار الاستصحاب بالشك في الرافع دون المقتضي ، فثبت مدعى الشيخ (قده).
قلت : وان كان ذلك أقرب ظاهراً ، إلّا أن المدار في الأقربية إلى المعنى الحقيقي هو العرف لا العقل ، واليقين المتعلق بما فيه اقتضاء البقاء أقرب إلى المعنى الموضوع له اعتباراً لا عرفاً ، لما عرفت من كون النقض مسنداً إلى نفس اليقين الّذي هو أمر مبرم من دون لحاظ العرف لمتعلقه ، فلا يتفاوت في نظرهم بين كون متعلق اليقين مما فيه اقتضاء البقاء وبين كونه مما لم يكن فيه ذلك ، فالأقربية بنظر العقل لا توجب اختصاص حجية الاستصحاب بالشك في الرافع بعد كون المناط في الأقربية نظر العرف المتبع في تشخيص مداليل الخطابات الشرعية كما لا يخفى. ويشهد له أن العرف لا يفهم من تشبيه زيد مثلا بالأسد إلّا الشجاعة ، مع كون الأقرب عقلاً إلى