إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل (١) ، فقد عرفت أنه لا مجال
______________________________________________________
(١) يعني : إذا عرفت أن قسما منه غير قابل للجعل الشرعي لا أصالة ولا تبعا ، بل هو أمر تكويني ذاتي كالسببية وغيرها من أجزاء علة التكليف ، وقسما منه ليس إلّا مجعولا بتبع التكليف وهو الجزئية وغيرها مما يكون دخيلا في متعلق التكليف ، وقسما منه مجعول بالاستقلال ، تعرف حال التفصيل المنسوب إلى الفاضل التوني (ره) في اعتبار الاستصحاب بين التكليف والوضع ، حيث ان القسم الأول منه لا يجري فيه الاستصحاب أصلا ، لعدم كونه حكما شرعيا ولا موضوعا له. ومجرد ترتب الحكم الشرعي كوجوب الصلاة على السبب كالدلوك لا يصحِّح جريان الاستصحاب في السببية ، إذ ليس ترتب الحكم الشرعي على سببه شرعيا بل هو عقلي ، ومن المعلوم أن اتصاف الحكم بكونه شرعيا منوط بأمرين : أحدهما أن يكون مما أنشأه الشارع ، والآخر أن يكون ترتبه شرعيا أيضا ، كما إذا قال : «المستطيع يجب عليه الحج» فان ترتب وجوب الحج على المستطيع شرعي ، لأن المستطيع موضوع في لسان الخطاب للوجوب. وهذا بخلاف سببية الدلوك ، فان ترتب الوجوب عليها ليس شرعيا ، لأن ترتب الوجوب عليه مستند إلى الخصوصية الذاتيّة الكامنة فيه ، وليس كترتب وجوب الحج على المستطيع حتى يصح استصحاب سببية الدلوك إذا شك في بقائها كصحة استصحاب الاستطاعة إذا شك في بقائها ، ففرق واضح بين استصحاب الاستطاعة واستصحاب سببية الدلوك.
والحاصل : أن الاستصحاب لا يجري في القسم الأول من الأحكام الوضعيّة وهو ما لا تناله يد الجعل أصلا. ويجري في القسم الثاني وهو ما يكون مجعولا بالتبع كالجزئية المنتزعة عن الحكم التكليفي المتعلق بجملة أمور. كما يجري في القسم الثالث أيضا بالأولوية ، لكونه كالحكم التكليفي مجعولا مستقلا.
__________________
وأما الإشكال الثالث فهو أجنبي عن كلام الشيخ ، إذ لا شك في أن الطهارة الظاهرية اعتبارية لا واقعية ، لكن محط كلامه كما لا يخفى على من لاحظه هو الطهارة والنجاسة الواقعيتان ، فلا مجال للنقض عليه بأن الطهارة الظاهرية مجعولة لا واقعية.