موضوعه إلّا بنحو البداء بالمعنى المستحيل (١) في حقه تعالى ، ولذا (٢) كان النسخ بحسب الحقيقة دفعاً لا رفعاً.
______________________________________________________
كان الموضوع معلوم البقاء ، فلا يتصور الشك حينئذ في بقاء الحكم ، لعدم تخلفه عن موضوعه ، ضرورة أن الموضوع كالعلة له ، فكما لا يتخلف المعلول عن العلة فكذلك لا يتخلف الحكم عن الموضوع.
نعم يتصور التخلف بنحو البداء ، كما إذا جعل حكماً لموضوع إلى الأبد باعتقاد اشتماله على مصلحة دائمية ، وبعد مضي زمان ظهر له كون مصلحته موقتة ، فيرتفع الحكم عن موضوعه بانتفاء مصلحته ، وهذا هو البداء المستحيل في حقه تعالى ، ولذا كان النسخ في الأحكام الشرعية دفعاً لا رفعاً ، والمراد بالدفع أن الحكم من أول الأمر كان محدوداً بهذا الحد ، وتأخّرَ بيان أمده لمصلحة ، لا أن الحكم شُرِّع إلى الأبد ثم نسخ في هذا الزمان ، فانه مستحيل في حقه سبحانه وتعالى ، لاستلزامه الجهل وعدم إحاطته بجهات الحسن والقبح تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، فليس النسخ رفعاً لأمر ثابت ، بل دفعاً أي إظهاراً لعدم تشريع الحكم إلّا موقتاً ، لعدم المقتضي لتشريعه إلى الأبد.
فصار المتحصل : أن منشأ الشك في بقاء الحكم الكلي الفرعي منحصر في اختلال بعض ما عليه الموضوع من الأوصاف كما عرفت في الأمثلة المذكورة ، ومعه لا يمكن إحراز وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ، وهذا بخلاف غالب الشبهات الموضوعية.
(١) وهو أن يظهر للحاكم خطأ حكمه السابق فيعدل عنه. وأما البداء بالمعنى الممكن أعني الإبداء والإظهار فلا مانع منه ، وقد ذكرنا شطراً من الكلام المتعلق بالبداء في بحث العام والخاصّ ، فلاحظ.
(٢) أي : ولكون البداء ـ بمعنى الظهور والعلم بالشيء ـ مستحيلاً في حقه تعالى كان نسخ الحكم الشرعي بمعنى الدفع لا الرفع كما عرفت.