ما لم يتخلل في البين
______________________________________________________
شيئا وراء هذه الآنات المتصلة. وكذا الحال في الزماني كالتكلم وجريان الماء ونحوهما ، فان وجود كل جزء من الكلام يتوقف على انعدام جزئه السابق.
وعلى هذا فالأمر التدريجي سنخ وجود يتقوم في ذاته بالتركب من الوجود والعدم ، والاشتباك بينهما ، ومن المعلوم أن هذا العدم المقوّم للأمر التدريجي لا يعقل أن يكون رافعا له ، لاستحالة كون مقوّم الشيء رافعا له ، بل رافعه هو العدم البديل له أي القاطع للحركة ، كما إذا تحرك من داره إلى المسجد ، فان نفس حركته متقومة بالوجود والعدم أي بوضع قدم ورفع أخرى ، فهذا العدم دخيل في صميم الحركة وحاقها ، وعادمها هو التوقف في الطريق أو الجلوس فيها للاستراحة مثلا ، وما لم يتحقق هذا العدم النقيض فالحركة واحدة حقيقة ، فإذا شرع فيها فالتجددات المتصلة بالاتصال التعاقبي كلها بقاء ذلك الحادث الوحدانيّ ، لأن تعدد الوجود ينشأ من تخلل العدم بين الوجودات ، وما لم يتخلل العدم بينها لا يتعدد الأمر التدريجي.
إذا عرفت هذا اتضح جريان الاستصحاب في الأمور غير القارة كجريانه في القارة ، لكون مدار حجية الاستصحاب على صدق نقض اليقين بالشك عرفا ، ولمّا كان الأمر التدريجي واحدا بنظرهم بحيث يعد أوّله حدوثا وما بعده بقاء كالأمر القار ، فلا محالة يجري الاستصحاب ، لاجتماع أركانه من اليقين بالحدوث والشك في البقاء واتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة.
ولا يخفى أن صدق النقض عرفا وان كان كافيا في التمسك بدليل الاستصحاب ، إلّا أن المصنف (قده) يدعي وحدة القضيتين عقلا في مثل الزمان ، لاتصال أجزائه وعدم تخلل العدم بينها أصلا. نعم لا يصدق الوحدة العقلية في بعض الزمانيات كالتكلم والقراءة ، لما يتخلل في أثنائهما من التنفس والتنحنح ونحوهما مما يوجب انثلام الوحدة العقلية ، لكن الوحدة العرفية صادقة قطعا ، وهذا الصدق العرفي كاف في جريان الأصل.