.................................................................................................
______________________________________________________
وينبغي تحرير محل النزاع ـ أي مورد جريان استصحاب عدم النسخ وعدمه ـ قبل توضيح المتن ، فنقول : ان حقيقة النسخ عندنا لمّا كانت تقييد الحكم زمانا وكان دليل النسخ كاشفا عن انتهاء أمده ، فلا يرجع إلى استصحاب عدم النسخ إلّا بعد فرض أمرين ، أحدهما : فقدان الإطلاق الأزماني لدليل الحكم ، ثانيهما : ثبوت الحكم في الشريعة السابقة بنحو القضية الحقيقية لعامة المكلفين لا لخصوص تلك الملة. أما الأمر الأول فلأنه لو كان لدليل الحكم إطلاق أزماني كان هو المرجع عند الشك في النسخ لا الاستصحاب ، لحكومته على الاستصحاب.
وبيانه : أن حكم الشريعة السابقة إما أن يكون دليله وافيا بإثباته لعامة المكلفين في جميع الأزمنة للتصريح بإطلاقه الأزماني ، أو ما هو كالصريح فيه ، وفي مثله لا يحتمل النسخ ، وهذا نظير وجوب أصل الصلاة والصوم ونحوهما من الفرائض. وإما أن يكون دليله وافيا بإثباته للعموم إلى الأبد بإطلاقه المستند إلى مقدمات الحكمة ، وفي مثله يحتمل النسخ بالشريعة اللاحقة ، إلّا أن الدافع لاحتمال النسخ هو الإطلاق لا الاستصحاب ، ونسخه منوط بورود الناسخ الّذي هو مقيد لإطلاق الخطاب زمانا. وإما أن يكون متكفلا لثبوت الحكم في تلك الشريعة بنحو الإجمال كبعض الآيات الواردة لبيان أصل تشريع الأحكام بلا نظر إلى خصوصياتها ، كقوله تعالى : «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم» حيث إنها ليست في مقام بيان تمام ما له الدخل في الصوم ، فلو ثبت أصل الحكم في شريعة سابقة وشك في نسخه في الشريعة اللاحقة فحيث إنه لا إطلاق له حتى بمعونة المقدمات كان مورد النزاع في المقام من حيث جريان الاستصحاب فيه وعدمه.
وأما الثاني ـ أعني اعتبار أن يكون الحكم ثابتا بنحو القضية الحقيقية ـ فلأنه مع ثبوته للمكلفين بنحو القضية الخارجية لا يجري فيه الاستصحاب إذا شك في بقائه لأشخاص آخرين ، لاختلاف الموضوع حينئذ ، وكونه من تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر ، ومن المعلوم أنه أجنبي عن الاستصحاب ، فلا تعمه